ذكاء اصطناعي

وحش العصر الجليدي يعود للحياة: اكتشاف بيسون محفوظ بالكامل منذ 30 ألف سنة في كندا

مجد الشيخ
مجد الشيخ

3 د

اكتشف علماء في يوكون بيسوناً محفوظاً من العصر الجليدي يعود إلى نحو 30,000 عام، في حالة شبه كاملة.

تشمل البقايا الهيكل العظمي، الأنسجة الرخوة، الفراء، والأعضاء الداخلية، ما مكّن من استخراج حمض نووي نقي.

أظهر التحليل الجيني أن البيسون ينتمي إلى نوع منقرض يُعد سلفاً للبيسون الأمريكي والأوروبي.

تميز المشروع بتعاون وثيق مع السكان الأصليين، في نموذج تكاملي بين المعرفة التقليدية والبحث العلمي الحديث.

في واحدة من أكثر الاكتشافات إثارة في العقود الأخيرة، عثر علماء في منطقة يوكون الكندية على حيوان بيسون منقرض يعود للعصر الجليدي، محفوظاً بشكل شبه كامل منذ أكثر من 30,000 عام. هذا الاكتشاف النادر لا يمنحنا فقط نافذة على ماضٍ سحيق، بل يتيح للعلماء فرصة نادرة لتحليل الحمض النووي والأنسجة اللينة، وهو أمر شبه مستحيل عند التعامل مع بقايا ما قبل التاريخ.


تفاصيل الاكتشاف: بيسون في حالة شبه كاملة

وفقًا لتقرير نشره موقع Animals Around the Globe، فإن البيسون المكتشف - والمعروف علمياً باسم Bison priscus أو "بيسون السهوب المنقرض" - يُعد من أكثر اكتشافات الثدييات من العصر الجليدي اكتمالاً في أمريكا الشمالية. يبلغ طول الحيوان حوالي مترين ويصل ارتفاعه عند الكتف إلى ما يقارب 1.8 متر. لكن اللافت في الأمر ليس الحجم، بل مستوى الحفظ: الهيكل العظمي الكامل، الأنسجة الرخوة، الفراء البني المائل إلى الحمرة، وحتى الأعضاء الداخلية بقيت محفوظة بشكل مدهش.


سر الحفظ الاستثنائي: الطبيعة كمعمل تحنيط

تكمن روعة هذا الاكتشاف في الظروف الطبيعية التي ساهمت في حفظ الحيوان. فقد دُفن البيسون بسرعة جراء انهيار طيني مفاجئ خلال ذوبان الربيع، تلاه تجمّد مباشر مع انخفاض درجات الحرارة، ما أوقف عمليات التحلل المعهودة. البيئة الغنية بالمعادن وقليلة الأكسجين داخل التربة المجمدة عملت كمثيل لمعمل تحنيط طبيعي، حافظ على البقايا آلاف السنين.

هذا "التحنيط البيئي" أتاح للعلماء استخراج حمض نووي عالي الجودة، وهي فرصة نادرة لدراسة الجينات الخاصة بحيوانات ما قبل التاريخ بمستوى تفصيلي غير مسبوق.


رؤية جينية: سلالة البيسون وتاريخ النظام البيئي

أظهر التحليل الجيني أن هذا البيسون ينتمي إلى Bison priscus، السلف المشترك لكل من البيسون الأمريكي المعاصر (Bison bison) والبيسون الأوروبي (Bison bonasus). وسمحت الأنسجة المحفوظة ببناء خريطة وراثية دقيقة لهذا النوع، ما يشكل مرجعاً مهماً لفهم تطور الأنواع.

كما أتاح تحليل الجهاز الهضمي للبيسون الكشف عن تفاصيل نظامه الغذائي، الذي تضمن الأعشاب والنباتات الربيعية المبكرة. وأظهرت تحاليل النظائر في أسنانه وفرائه أنه كان يشارك في هجرات موسمية، تقطع خلالها مسافات تصل إلى مئات الكيلومترات.


الشراكة مع السكان الأصليين: نموذج يُحتذى

تميز هذا المشروع بتعاون فعّال بين العلماء والسكان الأصليين في يوكون، الذين ساهموا بخبراتهم ومعارفهم البيئية في جميع مراحل الحفر والدراسة. وقد وُصف هذا التعاون بأنه "نموذج لاحترام المعرفة التقليدية ودمجها في البحوث العلمية الحديثة".

ذو صلة

جرى نقل البيسون المحفوظ في حاويات مبردة إلى مرافق بحثية متقدمة، حيث يواصل الباحثون دراسة أنسجته، ساعين لكشف المزيد من أسرار الحياة القديمة التي طمرها الجليد.

يمثل اكتشاف البيسون المجمد في يوكون أكثر من مجرد حدث علمي مثير؛ إنه تذكير حي بقوة الطبيعة على حفظ الشواهد، وأهمية التعاون بين التقاليد والمعرفة الحديثة لفهم ماضينا المشترك. ومن خلال هذا الكائن الصامت، نتعلم كيف كانت الأرض، ومناخها، ونظمها البيئية قبل آلاف السنين – وهي دروس ثمينة لا غنى عنها لفهم حاضرنا واستشراف مستقبلنا.

ذو صلة