ذكاء اصطناعي

أبولو 13: كيف تحولت مأساة إلى انتصار في تاريخ ناسا

محمد كمال
محمد كمال

3 د

أطلقت ناسا أبولو 13 في أبريل 1970 لاستكشاف منطقة على سطح القمر.

واجهت المركبة انفجارًا في خزان الأكسجين، مما أدى إلى أزمة خطيرة.

استخدم الرواد الوحدة القمرية "أكواريوس" كملاذ للبقاء على قيد الحياة.

ابتكر مهندسو ناسا حلولًا تحت الضغط لتحويل الفشل إلى نجاح.

عاد الرواد بسلام، مستخلصين دروسًا لتحسين الأمن في الرحلات المستقبلية.

عندما أطلقت وكالة الفضاء الأمريكية "ناسا" مركبة أبولو 13 في الحادي عشر من أبريل عام 1970، بدا الأمر وكأن رحلات الهبوط على سطح القمر أصبحت روتينًا علميًا لا يثير الدهشة. وانطلق الصاروخ العملاق "ساتورن 5" من مركز كينيدي للفضاء حاملاً على متنه ثلاثة روّاد فضاء هم جيم لوفيل، فريد هايس، وجاك سويغرت، نحو مهمة استكشاف منطقة "فرا ماورو" على سطح القمر. لكن، لم يكن أحد يتوقع أن تصبح هذه الرحلة محط أنظار الملايين حول العالم بسبب أزمة غير مسبوقة ستغير نظرة البشرية لاستكشاف الفضاء.

منذ نجاح مهمة أبولو 11 وتبعها أبولو 12، شعر كثيرون أن مهمات ناسا إلى القمر باتت شبه اعتيادية، خاصة وسط انشغال المجتمع الأمريكي بحرب فيتنام آنذاك. تراجعت الميزانيات، حتى تقرر إلغاء بعض الرحلات المخطط لها لاحقًا كأبولو 18 و19 و20. زاد من قلق البعض الطابع التشاؤمي المرتبط بالرقم 13، وبدت المخاطر حقيقية عندما أُجبر كين ماتينغلي، قائد وحدة القيادة، على الانسحاب قبل الرحلة بسبب تعرضه للحصبة، ليحل محله جاك سويغرت. وهكذا، أخذ التوتر في التصاعد بدءًا من لحظة الإطلاق، حيث واجه الصاروخ أولى المفاجآت الفنية عندما تعطّل أحد محركات المرحلة الثانية، واضطر الطاقم لتعويض النقص في الدفع عبر تشغيل باقي المحركات لفترة أطول.

وفي تتابع الأحداث، فإن ما ظنه الجميع رحلة هادئة ومملّة كما وصفها الفريق في هيوستن، سرعان ما تبدد عندما دوّى انفجار في خزان الأكسجين الرئيسي على متن "أوديسي"، مركبة القيادة، مما أدى إلى فقدان اثنين من ثلاثة خلايا الوقود. أسرع رواد الفضاء بإبلاغ مركز التحكم بقولهم الشهير: "هيوستن، لدينا مشكلة." كان الانفجار أشد خطورة مما بدا في البداية، إذ أدى إلى تسرب الأكسجين وانقطاع مصدر الطاقة والماء عن الطاقم. في هذه اللحظة، تحوّلت مهمة أبولو 13 من مهمة استكشاف إلى عملية إنقاذ أشبه بالمغامرة الحياتية.


البحث عن الأمل: استراتيجية قارب النجاة

ربطًا مع أزمة الأكسجين والطاقة، لجأ الطاقم وفريق ناسا إلى ما سُمّي "بوضع قارب النجاة"، مستغلين الوحدة القمرية "أكواريوس" كملاذ أخير للبقاء. تحولت "أكواريوس" بمخزون أكسجينها ومحركها الخاص إلى شريان حياة مؤقت لرواد الفضاء، رغم أنها لم تُصمَّم لتحميهم طوال رحلة العودة. ومع قلة الماء والكهرباء، برزت مشكلة جديدة: زيادة غاز ثاني أكسيد الكربون في المقصورة، وهو خطر قاتل للإنسان. كان الحل العبقري عندما تمكن مهندسو ناسا في هيوستن من ابتكار طريقة مبتكرة لملاءمة فلاتر مركبة القيادة ذات الشكل المربع مع مداخل الهواء الدائرية في الوحدة القمرية، في موقف أصبح نموذجًا للهندسة تحت الضغط.

وإذا واصلنا تسلسل الأحداث، اتبع رواد أبولو 13 مسار العودة الحر نحو الأرض، مستخدمين الشمس كنجم مرجعي لمعايرة الاتجاه. تبقت أمامهم مهمة صعبة: إعادة تنشيط مركبة القيادة بعد أن بقيت في سبات طويل. وبوقت ضاغط للغاية لم يتجاوز ثلاثة أيام، اضطر فريق ناسا لوضع إجراءات فنية جديدة تحتاج عادة شهورًا من التحضير. زاد القلق من احتمال تسبب تكاثف المياه داخل الأجهزة بحدوث دارة كهربائية خطيرة عند إعادة التشغيل، لكن دروس مأساة حريق أبولو 1 التي سبقتها بثلاث سنوات، وما رافقها من تحديثات للعزل الكهربائي، أنقذت الموقف في اللحظة الحاسمة.


عودة الأبطال ودروس للمستقبل

ذو صلة

ومع دخول اليوم السابع عشر من أبريل، انفصل الطاقم عن "أكواريوس" ليعود إلى الأرض عبر الغلاف الجوي، وهناك سقطت كبسولتهم بنجاح في المحيط الهادئ بالقرب من ساموا، حيث استقبلهم طاقم سفينة الإنقاذ "آيوو جيما" بالترحيب والارتياح، لتنتهي واحدة من أشد المحن في تاريخ رحلات الفضاء المحفوفة بالمخاطر. بعد عودة الرواد سالمين، استخلصت ناسا وفريقها دروسًا تقنية وتنظيمية من "الفشل الناجح" لأبولو 13، ساعدت على تحسين إجراءات الأمان وضمان النجاح في المهمات التالية.

وهكذا، حولت ناسا أسوأ حادث قد يواجهه أي فريق فضاء إلى لحظة انتصار للروح البشرية والهندسة والمرونة تحت الضغط. واليوم، مازالت قصة أبولو 13 تروي للأجيال سر التصميم والإبداع حين تواجهنا أصعب التحديات ضمن مضمار استكشاف الفضاء الرحب.

ذو صلة