ذكاء اصطناعي

أحفادكم سيموتون في مصانعنا: ديستوبيا “صُنع في أمريكا” في رؤية إدارة ترامب

أحفادكم سيموتون في مصانعنا: ديستوبيا "صُنع في أمريكا" في رؤية إدارة ترامب
مجد الشيخ
مجد الشيخ

4 د

روّج وزير التجارة الأمريكي هوارد لوتنيك لرؤية مستقبلية يعتبر فيها العمل في المصانع مهنة أبدية تتوارثها الأجيال، في ظل ارتفاع الرواتب وتراجع التعليم.

تسعى إدارة ترامب لتفريغ الحكومة من الكفاءات العلمية والمهنية بهدف إعادة توجيههم إلى وظائف تصنيع منخفضة الأفق، مع تقليص التعليم العام وتمجيد الوظائف اليدوية.

تتجاهل الرؤية أهمية الابتكار والبحث العلمي، وتعتمد على الذكاء الاصطناعي كبديل شامل غير مدروس.

تركز الانتقادات على أن هذا النموذج يعيد أمريكا إلى الوراء، ويقوّض فرص الحراك الاجتماعي، ويُقصي النساء، المهاجرين، والطبقات المتعلمة من مستقبل الاقتصاد.

في مشهد قاتم يرسم ملامح مستقبل مشوّه للاقتصاد الأمريكي، تطلّ تصريحات هوارد لوتنيك، وزير التجارة في إدارة دونالد ترامب، لتقدّم صورة صادمة لما يُطلق عليه البعض "الديستوبيا التقنية الإقطاعية". في هذا العالم المتخيَّل، لا مكان للحراك الاجتماعي أو التقدّم العلمي، بل عمل متوارث في المصانع عبر الأجيال، مصحوب بخطاب وطني لا يخلو من التمجيد السطحي والانغلاق الفكري. فهل هذا هو النموذج الاقتصادي الجديد الذي يُبشّر به قادة أمريكا في 2025؟


النموذج الجديد: العمل في المصنع حتى الموت

في مقابلة مع قناة CNBC، كشف لوتنيك عن تصوّره لمستقبل الاقتصاد الأمريكي، حيث قال إن "الوظائف المستقبلية الجيدة" ستكون في المصانع، برواتب تبدأ من 70 إلى 90 ألف دولار سنويًا. وأضاف:


"هذا هو النموذج الجديد، حيث تعمل في هذه المصانع مدى الحياة، وكذلك أولادك وأحفادك"

لم تكن هذه مجرد دعوة لإحياء التصنيع المحلي، بل خريطة حياة تفتقر لأي تصور لحراك اجتماعي أو تطلّع شخصي.

التصريحات تذكّر بما قاله لوتنيك سابقًا عن "جيش من ملايين الأشخاص يركبون مسامير صغيرة في هواتف الآيفون"، مؤكدًا أن هذا النموذج الإنتاجي سيعود إلى أمريكا.


إدارة ترامب: المصنع هو المصير

هذا النموذج الصناعي ليس مجرد رؤية اقتصادية، بل أصبح جزءًا من العقيدة السياسية للإدارة الحالية. فبالنسبة لها، الوظائف في المصانع ليست مجرد بديل مؤقت، بل مصير دائم للأجيال القادمة. سكوت بيسنت، وزير الخزانة، صرّح لتاكر كارلسون قائلاً:


"نقوم بالتخلّص من فائض العمالة في الحكومة الفيدرالية... وسيوفر هذا القوى العاملة التي نحتاجها في مجال التصنيع الجديد"

هذه "الرؤية" لا تأخذ بعين الاعتبار الحاجة إلى العلماء، أو المبرمجين، أو حتى المهنيين الطبيين. الأسوأ من ذلك، أنها لا تتناول تساؤلات مشروعة حول من سيقود الابتكار العلمي والتقني في أمريكا، في وقتٍ يتم فيه طرد العلماء، خنق الجامعات، والسعي لإلغاء وزارة التعليم بالكامل.


التكنولوجيا موجودة، لكن العقول تُقصى

لوتنيك يحاول أن يقدّم الذكاء الاصطناعي كحل سحري يغني عن التعليم العالي والتفكير العلمي، قائلاً: "نحن نخترع كل شيء في العالم، لكن نسمح للآخرين ببنائه. حان الوقت لنبنيه هنا". لكنه يتهرّب من الإجابة عن الأسئلة الكبرى: ما حجم الوظائف التي ستخلقها هذه المصانع؟ وهل ستبقى الوظائف البشرية قائمة مع تفوّق الروبوتات؟ ومن سيبتكر الجيل القادم من التقنيات؟

حتى لوتنيك نفسه اعترف ضمنيًا بأن عدد الوظائف محدود، وأن ما نحتاجه ليس ملايين، بل "مئات الآلاف من الأمريكيين" للعمل في هذه المصانع الآلية. أما مهمة الإنسان، فستقتصر على صيانة المكيفات ومساعدة أذرع الروبوت على الحركة.


تجاهل متعمّد لقطاعات حيوية

المفارقة الكبرى أن إدارة ترامب لا تكتفي بتقليص التعليم ومهاجمة العلماء، بل تتعمّد أيضًا تدمير أكثر الصناعات خلقًا للوظائف الزرقاء في السنوات الأخيرة: الطاقة المتجددة. فبينما كانت وظائف مثل "فنيي توربينات الرياح" و"مثبتي الألواح الشمسية" تمثّل مسارًا سريعًا نحو الطبقة المتوسطة، شنّت الإدارة حربًا مفتوحة على هذا القطاع.

في موازاة ذلك، صرّح مستشار ترامب الشهير، ستيفن ميلر، أن وزارة التعليم ستُلغى، وأن "الأطفال سيتعلمون حب أمريكا". وربما يقصد بذلك إدخالهم في مدارس دينية مدعومة من الضرائب.


بديل غائب... ونموذج فقدان الخيال

يؤكد المقال أن ما يجري ليس محاولة مدروسة لإعادة توطين الصناعة في أمريكا، بل "أزمة مُفتعلة ذاتيًا" هدفها تطهير البلاد من المهاجرين والعلماء والتعليم العالي، مقابل نموذج اقتصادي بدائي لم يعد يصلح لعصرنا الحديث.

في مكان آخر، كان يمكن تخيّل استراتيجية تصنيع وطنية تعيد بناء الطبقة الوسطى الأميركية من خلال التدريب التقني، والملكية المحلية، وتحفيز إعادة التوطين عبر تعريفات جمركية مدروسة تدريجيًا. لكن ما يحدث اليوم هو العكس تمامًا.


مستقبل قاتم برؤية ضيقة

ذو صلة

يختم الكاتب جيسون كوبلر مقاله برؤية سوداوية قاسية، لكنها واقعية لما يُمكن أن ينتج عن هذا التوجه. ففي عالم إدارة ترامب، ستُربى الفتيات ليصبحن زوجات "تقليديات" ويُمنحن مكافأة بقيمة 5000 دولار لإنجاب الأطفال، بينما يُحرَم هؤلاء الأطفال من اللعب أو التعليم أو فرص التقدم.

الذكور لن يملكوا ألعابًا، وسيُربّون على الطاعة والعمل. العائلات لن تأكل في ماكدونالدز، وستدفع تعرفة باهظة لتذوق طعام أجنبي. سيتحدث الناس إلى روبوتات، وسيخضعون لعلاج نفسي على يد شات بوت. سيعمل الجميع في المصنع. ولن يملكه أحد منهم. سيملكه آخرون. أولئك الآخرون سيذهبون إلى "فوكس نيوز" ليقولوا إنهم خلقوا "وظائف وطنية عظيمة". وهكذا، سيعمل أولادك وأحفادك على تثبيت البراغي، وتحريك الأذرع الآلية، كما فعل آباؤهم وأجدادهم.ملخص الخبر في أربع نقاط:

ذو صلة