أزمة الأكسجين في المحيطات تهدد بانهيار النظام البيئي: انقراض أسماك الفانوس جرس إنذار عالمي

3 د
تشهد المحيطات أزمة أكسجين تهدد بانقراض أسماك الفانوس وانهيار النظام البيئي.
تشكل أسماك الفانوس دعامة أساسية في الشبكة الغذائية البحرية، مما يؤثر على المناخ.
تؤدي التغيرات المناخية لنقص الأكسجين وتوسع "المناطق الميتة"، مما يهدد الأسماك.
انقراض أسماك الفانوس سيكون له تداعيات خطيرة على السلسلة الغذائية البحرية.
يجب إنقاذ أسماك الفانوس لحماية النظم البيئية البحرية وتوازن الطبيعة العالمي.
تخيل معي عالماً تحت سطح البحر بدأت فيه الحياة تخفت أمام أعيننا، حيث تقوم أسماك الفانوس بدور البطولة في قصة مصيرية عن أزمة الأكسجين البحرية. دراسة حديثة نُشرت في مجلة _Communications Earth & Environment_ دقت ناقوس الخطر: إذا واصل الأكسجين في أعماق المحيطات الانخفاض تحت مستوى معين، تواجه هذه الأسماك الدقيقة احتمال الانقراض، لتترتب على ذلك آثار كارثية ستطال النظم البيئية البحرية كافة.
في قلب هذا الخبر، ينكشف مدى الترابط بين عناصر المحيط الحيوية. أسماك الفانوس، رغم صغر حجمها، تشكل دعامة لا غنى عنها في الشبكة الغذائية البحرية. فهي ليست مصدراً أساسياً لغذاء الأسماك الضخمة مثل التونة والحيتان فقط، بل تلعب أيضاً دوراً مركزياً من خلال "مضخة الكربون الحيوية"، إذ تنقل الكربون من الطبقات السطحية إلى أعماق البحر عبر رحلاتها اليومية بين الظلمة والنور. هذا السلوك يسهم في إخراج غاز ثاني أكسيد الكربون خارج الغلاف الجوي، مما يساعد في تنظيم مناخ الأرض. وتتكشف خطورة الموقف حين نعلم أن كل ليلة، تقوم أسماك الفانوس بنقل ما يقارب أربعة مليارات طن من الكربون إلى الأعماق، حسب الدراسة ذاتها.
وهنا تبرز الصورة الأشد قتامة مع تسارع ارتفاع حرارة البحار ونقص الأكسجين. هذه التغيرات تدفع حدود "المناطق الميتة" في المحيط – أي المناطق منخفضة الأكسجين – إلى التوسع رأسياً وأفقياً، وتضيق بالتالي المساحة التي تستطيع أسماك الفانوس العيش فيها بأمان. وقد حلل العلماء حفريات العظام الصغيرة (الأوتوليت) المدفونة في رواسب بحر إيجه خلال العشرة آلاف سنة الماضية، وظهر بوضوح أن فترات انخفاض الأكسجين اتسمت دوماً بانهيار أعداد أسماك الفانوس، وظهور أنواع سطحية مثل الأنشوفة محلها.
ولا تتوقف تداعيات هذه الأزمة عند حدود الأسماك نفسها. فالانقراض المتوقع سيُحدث سلسلة من الهزات في كامل السلسلة الغذائية البحرية. الحيوانات المفترسة من الطيور البحرية إلى الحيتان تعتمد في بقائها على أعداد هائلة من أسماك الفانوس كغذاء رئيسي، وأي تقلص في هذه الكتلة سيُفضي إلى تراجع المخزون السمكي وتهديد الأمن الغذائي البحري للبشر. يؤدي هذا الترابط المعقد إلى هشاشة كبيرة في توازن البيئة البحرية، حيث يمكن لانهيار نوع واحد أن يقود إلى اضطراب واسع يمس توازن النظام البيئي بأسره.
وفي سياق هذا البحث المكثف عبر الزمن، تظهر أهمية توثيق العلاقة بين التغيرات المناخية والأنظمة البيئية البحرية. إذ يُعد هذا التحليل التاريخي مؤشراً على ما قد تؤول إليه الأمور مستقبلاً، في ظل استمرار ارتفاع حرارة المياه وتفاقم ظاهرة نقص الأكسجين العالمي. يسلط هذا الضوء على هشاشة النظام البيئي وعلاقته الوثيقة بتغير المناخ، ويوضح أن انقراض أسماك الفانوس سيكون بمثابة صفعة قاسية لجهود صون البيئة البحرية واستدامة مصائد الأسماك التي يعتمد عليها ملايين البشر حول العالم.
وربما يحمل هذا التحذير العلمي المهم رسالة بليغة لصُنّاع القرار ومجتمعات العلماء والصيادين: إن إنقاذ أسماك الفانوس سيعني حماية شبكة كاملة من الحياة في المحيطات، وإلا فإن خسارتها قد تفتح الباب أمام سلسلة خسائر بيئية واقتصادية يصعب احتواؤها. من النافع هنا الانتباه لاستخدام مصطلحات أكثر وضوحاً كـ“المضخة الحيوية للكربون” بدلاً من تعبيرات تقنية أقل تداولاً، وربما من الأفضل أيضاً إضافة جملة ربط توضح أن مصير الحياة البرية البحرية بات مرهونًا برؤيتنا المستقبلية لآثار تغير المناخ. يدل تداخل هذه القضايا، من الأكسجين إلى الكربون والصيد البحري، على أن نظرة شمولية ضرورية إذا أردنا ضمان استمرارية الحياة في أعظم أنظمة كوكبنا الطبيعية.
بهذه الصورة، يزداد الوعي بأن حماية أسماك الفانوس الصغيرة تعني في العمق حماية المحيط بأكمله؛ ومن الحكمة تفعيل مبادرات رصد مستويات الأكسجين وسلوك الأسماك، كي لا نفقد الرابط الحاسم الذي يحفظ اتزان البحار والبيئة العالمية من حولنا.