ذكاء اصطناعي

أسرار بقعة المحيط الباردة: كيف يؤثّر تباطؤ التيارات الأطلسية على مناخ الأرض؟

فريق العمل
فريق العمل

3 د

أوضحت دراسة جديدة أن التيارات البحرية الأطلسية هي سبب برودة مياه جنوب جرينلاند.

البحث من جامعة كاليفورنيا ريفرسايد أظهر تباطؤ "تيار انقلاب الدورة الأطلسية الجنوبية".

هذا التباطؤ يؤدي إلى انخفاض درجة الحرارة والملوحة مؤثرًا على المناخ والنظم البيئية.

توقع الباحثون استمرار تراجع التيار إذا استمرت زيادة الغازات الدفيئة.

تفتح الدراسة إمكانيات لتحسين دقة التوقعات المناخية المستقبلية.

منذ أكثر من قرن، ظهرت منطقة غريبة في المحيط الأطلسي، تحديدًا جنوب جزيرة جرينلاند، بقيت المياه فيها باردة بشكل ملحوظ رغم الارتفاع العام في درجة حرارة المحيط. هذا الأمر حيّر العلماء وأطلق العنان للكثير من التكهنات بشأن أسبابه، إلى أن جاءت دراسة حديثة لتكشف اللغز وتوضح لنا الصورة كاملة: التيارات البحرية الكبرى في المحيط هي السبب وراء هذه الظاهرة المثيرة للاهتمام.

الدراسة التي أجراها فريق علمي من جامعة كاليفورنيا ريفرسايد، تركزت على تحليل بيانات درجات الحرارة والملوحة التي جمعت على مدار مئة عام. وخلص الباحثون إلى أن هذه المنطقة الباردة ناتجة عن ضعف وحركة أبطأ في منظومة التيارات الأطلسية المعروفة باسم "تيار انقلاب الدورة الأطلسية الجنوبية" أو اختصاراً الـ"AMOC"، وهو تيار هائل يعمل كحزام ناقل عملاق ينقل الماء الدافئ والمالح من المناطق الاستوائية إلى شمال المحيط، بينما يعيد المياه الباردة والمعتدلة جنوباً على أعماق مختلفة.

ولكي نفهم الوضع بشكل أوضح، علينا أن نتخيل الـ AMOC كمضخة حرارية كبرى تؤثر بشكل مباشر على مناخ مناطق واسعة من أوروبا وأمريكا الشمالية. فعندما يتباطأ هذا "الحزام الناقل"، تصل مياه أقل دفئًا ومالحة إلى شمال الأطلسي، ما يؤدي إلى انخفاض درجة الحرارة وتقلص مستوى ملوحة المياه في المنطقة الواقعة جنوب جرينلاند. الباحث واي ليو، المشرف الرئيسي على الدراسة، قال ببساطة: "كانت هناك أسئلة كثيرة حول سبب وجود هذه البقعة الباردة، وقد توصلنا إلى أن السبب الرئيسي هو تراجع قوة الـAMOC".

وهذا الربط بين التغيرات في الحرارة والملوحة من جهة، والتباطؤ في عمل الـ AMOC من جهة أخرى، له أهمية كبيرة لدى العلماء. فكثير من نماذج المحاكاة المناخية السابقة كانت قد اقترحت عوامل أخرى مثل تأثير الملوثات الجوية، وتوقعت أن التيارات البحرية ستزداد قوةً مع تراجع مستويات هذه الملوثات. لكن الدراسة الجديدة، التي نشرت في المجلة العلمية "Communications Earth & Environment"، أظهرت أن هذه النماذج لم تكن دقيقة كفاية لوصف الواقع الملاحظ بسبب غياب التوافق مع البيانات التاريخية التي تم جمعها.

ولهذه النتيجة بعدٌ واسع التأثير على المناخ والنظام البيئي، إذ أن تباطؤ الـ AMOC يؤثر على الأنماط المناخية – مثل توزيع وتكرار الأمطار ومسارات الرياح النفاثة التي تؤثر على المناخ في أوروبا وشمال أمريكا – كما أن تغير درجات الحرارة والملوحة قد يزعزع استقرار النظم البيئية البحرية ويغير مكان تواجد الكائنات البحرية وأنواعها.

ذو صلة

لا يتوقف الأمر عند فهم الظاهرة الحالية فقط، فهذه الدراسة تفسح المجال كذلك لوضع توقعات مناخية أكثر دقة للمستقبل. الباحث كاي يوان لي، طالب الدكتوراه الذي شارك في الدراسة، يرى أن استخدام بيانات غير مباشرة كالملوحة والحرارة ساعد في الكشف عن معلومات قيمة حول تاريخ حركة التيارات البحرية، وهي وسيلة مفيدة نبّهت الباحثين إلى أن تراجع AMOC مستمر طيلة القرن الماضي، ومن المرجح أن تستمر حركته بالتباطؤ إذا استمرت نسبة الغازات الدفيئة بالارتفاع.

وفي الختام، تبقى هذه البقعة الباردة العنيدة جنوب جرينلاند علامةً بارزة ومؤشراً واضحاً على التغيرات المستقبلية المحتملة في المحيط الأطلسي والعالم. وقد عززت هذه الدراسة الجديدة فهمنا لتلك التحولات، ومنحت الباحثين أدوات قوية لتحسين التنبؤات المناخية، لكن ربما تعطي إضافة تفاصيل أكثر قربًا عن تأثير هذه التحولات على الإنسان والمجتمعات المحيطة صلة أقوى بالقراء، وتجعلهم أكثر إدراكًا لأهمية مراقبة هذه الظاهرة المدهشة.

ذو صلة