أشعة الركبة… الفحص الذي قد يفتح عليك أبواب المعاناة بلا داعٍ!

4 د
تعكس صور الأشعة للركبة أحياناً معلومات مضللة حول شدة الأعراض.
يضخم التشخيص المبني على الأشعة الخوف من الضرر ويزيد الرغبة في العمليات الجراحية.
التشخيص الإكلينيكي يعتبر معياراً ذهبياً لمعظم حالات التهاب مفصل الركبة التنكسي.
تقليل الاعتماد على الأشعة يخفض القلق ويوفر تكاليف الرعاية الصحية.
تركز خطط العلاج المثلى على العلاج الفيزيائي ونمط الحياة النشط.
تخيّل أن تشعر بألمٍ في الركبة، فتسرع لزيارة طبيبك بحثاً عن حلّ، ليقترح عليك إجراء صورة أشعة على الفور. قد يبدو هذا شيئاً جلياً وبديهياً، أليس كذلك؟ لكن المفاجأة أن الدراسات الحديثة تكشف أن هذه الخطوة البسيطة قد تحمل أضراراً نفسية ومالية للمرضى، وتدفع بعضهم نحو عمليات جراحية قد لا يحتاجونها بالفعل.
في السنوات الأخيرة، ازدادت معدلات الإصابة بالتهاب مفصل الركبة التنكسي أو ما يُعرف بالتهاب المفاصل العظمي، وهو مرض يُصيب الملايين حول العالم، خاصة كبار السن وأصحاب الوزن الزائد ومن تعرضوا سابقاً لإصابة في الركبة. وفي أستراليا وحدها، يعاني أكثر من مليوني شخص من هذه المشكلة المزمنة التي تؤثر على الحركة وجودة الحياة، بل وتدفع عشرات الآلاف سنوياً لإجراء عمليات تبديل المفصل.
من هنا تبدأ أهمية النقاش حول الفحوصات التشخيصية، فما الذي يجعل الأشعة السينية (X-Ray) مصدر قلقٍ بدلاً من الطمأنينة؟
لماذا لا تعكس الأشعة الحقيقة كاملة؟
العلاقة بين صورة الأشعة السينية وشدة الأعراض ليست دائماً كما يتوقع الكثيرون. فبحسب أبحاث حديثة، قد تظهر صور الأشعة تغيرات واضحة في المفصل لدى بعض الأشخاص، لكنهم يعانون من ألم بسيط أو لا يشكون من شيء على الإطلاق. وفي المقابل، هناك من لديهم أعراض شديدة بينما تبدو صورهم طبيعية نسبياً. وهذا دليل قاطع على أن التشخيص القائم فقط على الأشعة قد يضلل الأطباء والمرضى، ويجعل من الصعب وضع خطة علاج دقيقة.
استمرار الحديث عن تأثير صورة الأشعة يسوقنا إلى مسألة أخرى مهمة جداً، وهي كيف يشعر المريض بعد الاطلاع على نتائج التصوير، وتأثير ذلك على قراراته العلاجية.
أثر نفسي وقرارات خاطئة في العلاج
عندما يحصل المريض على تشخيص مبني أساساً على صورة أشعة، يصبح أكثر قلقاً وخوفاً على مفصله، ويرتفع لديه الاعتقاد بأن هناك “ضررا” لا يمكن إصلاحه، فيبدأ التفكير فوراً في الجراحة كحل مضمون ونهائي. كشفت دراسة واسعة أجريت في أستراليا وشملت مئات الأشخاص أن أولئك الذين شاهدوا صور أشعتهم كانوا أكثر ميلاً بنسبة 36% للتوجه نحو عمليات تبديل المفصل، مقارنة بمن شُخصت حالتهم بناء على الأعراض السريرية والفحص الطبي فقط.
وفي هذا المناخ من القلق، يصبح الحديث عن النشاط الرياضي أو العلاج الطبيعي أكثر صعوبة، إذ يظن البعض أن أي حركة أو تمرين قد تضر المفصل المتدهور وتفاقم الإصابة. هذه القناعة الخاطئة تهدد بتكريس حالة العجز وتقلل من فرص الحفاظ على نمط حياة نشط وصحي، رغم أن الأدلة الطبية تؤكد أهمية التمارين والعلاج التأهيلي في تحسين الألم وتحريك المفصل.
ومن هنا يتضح لنا مدى ارتباط قرار إجراء الأشعة السينية بتعميق الخوف من الحركة وتفضيل التدخلات الجراحية دون داعٍ.
التشخيص الإكلينيكي هو المعيار الذهبي
هنا يصل النقاش إلى محوره الأساسي: ما هو المعيار المثالي لتشخيص التهاب مفصل الركبة التنكسي؟ تشير الإرشادات الطبية الموثوقة عالمياً إلى أن التشخيص الإكلينيكي؛ أي الاعتماد على عمر المريض، الأعراض، التاريخ الطبي، وفحص الطبيب، يكفي للغاية في معظم الحالات. فالمريض الذي تجاوز الخامسة والأربعين من عمره، ويشتكي من ألم مفصل يزيد مع الحركة مع تيبّس صباحي خفيف لا يدوم أكثر من نصف ساعة، غالباً يعاني من التهاب المفصل التنكسي.
وتوصي الهيئات الطبية بعدم اللجوء للتصوير الشعاعي إلا في حالات استثنائية—كوجود أعراض غير اعتيادية أو شكوك في أسباب أخرى للألم، مثل وجود التهابات أو كسور.
الحديث عن الإرشادات يستدعي فتح ملف التداعيات الاقتصادية والمجتمعية لهذا النهج، خاصة وأن نظام الرعاية الصحية يتحمل مئات الملايين سنوياً بسبب صور الأشعة والتدخلات المرتبطة بها دون فائدة حقيقية.
نحو وعي جديد يغيّر نظرتنا للعلاج
اختتمت الدراسات الطبية الأحدث أن تقليل الاعتماد المفرط على صور الأشعة لن يحمي المرضى من القلق الزائد فحسب، بل سيخفض معدلات الجراحات غير الضرورية، ويوفّر على الأنظمة الصحية في جميع أنحاء العالم أعباء مالية ضخمة كانت تُصرف دون وجه حق. كما يساعد ذلك في تقليل التعرض غير الضروري للإشعاع الطبي وترسيخ قناعة بأن العلاجات غير الجراحية—مثل العلاج الفيزيائي، ضبط الوزن، وأسلوب الحياة النشط—تظلّ الخيار الأمثل لمعظم الحالات.
إن إدراكنا المتجدد لطبيعة التهاب مفصل الركبة، وتحررنا من وهم “اهتراء المفصل” مع تقدم العمر أو الإفراط في الاستخدام، يتيح للمريض والطبيب معاً رسم خطة علاج واقعية وعملية، والتركيز على ما يخفف الألم ويحسن مستوى الحركة دون مخاطر إضافية من الجراحة أو الإشعاع.
الخلاصة أن تركيزنا يجب أن ينصب على التشخيص الإكلينيكي المُعمّق وتجنب الاعتماد غير المدروس على صور الأشعة، لنحقق التوازن بين الأمان، الفعالية والكلفة، ونضمن لكل مريض رحلة علاج آمنة ومبنية على أفضل ما توصلت إليه الأبحاث الطبية الحديثة.