أعاصير الفضاء: التحدي الخفي الذي يهدد دقة الـGPS والتكنولوجيا الحديثة!

3 د
كشف العلماء عن "أعاصير الفضاء" التي تهدد دقة نظام GPS.
تتكون الأعاصير الفضائية من بلازما تدور في طبقة الأيونوسفير للأرض.
تُسبب هذه الأعاصير تشويش في إشارات الأقمار الاصطناعية، مؤثرة على الملاحة.
الأعاصير الفضائية مرتبطة أيضًا بظهور الشفق القطبي في المناطق القطبية.
تُظهر الدراسات أنها ظاهرة متكررة، مرتبطة بدورة الشمس المغناطيسية.
في مفاجأة علمية شغلت الأوساط الفيزيائية والفلكية، كشف فريق من الباحثين عن ظاهرة مدهشة تدعى "أعاصير الفضاء" تدور بوحشية في قطبي الأرض، وتترك آثاراً باهرة على التكنولوجيات التي نعتمد عليها يومياً، وأبرزها أنظمة تحديد المواقع العالمية مثل الـGPS. ورغم أن هذه العواصف الغامضة لا تُرى بالعين المجردة، إلا أن العلماء يؤكدون أنها قادرة على إحداث تشويش حقيقي في البيانات الملاحية التي تستخدمها الطائرات والسفن وحتى تطبيقات الهواتف الذكية.
في البداية، لنتعرف سريعاً على ماهية هذه الأعاصير الفضائية. بخلاف الأعاصير التي نعرفها والمملوءة برياح رطبة وأمطار غزيرة، يتكوّن الإعصار الفضائي من سيل هائل من البلازما – وهي جسيمات مشحونة كهربائياً تتحرك بسرعة خارقة في طبقة الأيونوسفير، وهي الغلاف الجوي العلوي للأرض. تدور هذه البلازما بشكل يشبه كثيراً الدوامة، وتملك كتلة حلزونية وأنواءً مركزية تشبه "عين" الإعصار المعروف، لكنها تمطر الإلكترونات بدلاً من قطرات الماء.
ويحدث إعصار الفضاء غالباً عندما تتوجه رياح شمسية قوية محمّلة بالجسيمات المشحونة باتجاه الأرض، فتُطلق كمية هائلة من الطاقة نحو القطبين، محفّزة طبقات الأيونوسفير هناك. وبهذا يدخل الموضوع في قلب التكنولوجيا: ففي تلك اللحظات يتعرض الحقل المغناطيسي للأرض لاضطرابات تشبه العاصفة المغناطيسية، وهو ما يربك إشارات الأقمار الاصطناعية ويخلخل دقة أنظمة الملاحة.
تأثير أعاصير الفضاء على التكنولوجيا الحديثة
أبرز الصدمات التي كشفت عنها الدراسات الحديثة هو قدرة هذه الأعاصير على تعطيل إشارات الـGPS والأنظمة الشبيهة لأنظمة الملاحة، عبر ما يعرف بظاهرة "توهج أطوار الإشارة". هذا التوهج يجعل الإشارة القادمة من الأقمار الاصطناعية تتلاعب في طبقة الأيونوسفير، ما يؤدي إلى فقدان الدقة وربما انقطاع مؤقت في الخدمة. من هنا يتضح كيف أن الأعاصير الفضائية ليست مجرد مظهر علمي نادر، بل عنصر فعّال يؤثر على الملاحة الجوية والبحرية وحتى حياة الناس العادية التي صارت تعتمد يومياً على تطبيقات تحديد الموقع.
وما بين الأجهزة والتقنيات، تظل الأعاصير الفضائية مرتبطة بشكل وثيق مع ظواهر الشفق القطبي أيضا. فهذه العواصف قادرة على إشعال الشفق القطبي الأخاذ، لكنها تحدث غالباً خلال النهار في المناطق القطبية، مما يجعل رصدها البصري أمراً بالغ الصعوبة. وهذا يربط بين طبيعتها الخفيّة والتحديات الكبيرة أمام دراستها ورصد تأثيرها الفعلي.
تابعت الأبحاث الأرشيفية تتبع هذا النمط الغريب من الطقس الفضائي، وأكدت أنه ليس وليد اليوم بل تكرر حدوثه على مدار العقدين الماضيين مئات المرات في نصفي الكرة الأرضية، وتحديداً في المناطق التي تقع فوق دائرة العرض الثمانين شمالاً وجنوباً أثناء فترات النهار القطبي. ويبدو أن دورة الشمس المغناطيسية والمواسم تلعبان دوراً رئيسياً في زيادة احتمالية ظهورها، ما يعطينا لمحة عن مدى ارتباط الأرض بنشاطات الشمس وحقولها المغناطيسية.
بالربط بين صدمة العلماء من اكتشاف الأعاصير الفضائية والتاريخ الطويل لتكرارها، يظهر أن ما كان يُعتبر حدثاً نادراً صار الآن جزءاً معتاداً من المناخ الفضائي للأرض. ففي دراسة تناولت إعصاراً فضائياً شهِدته الأرض عام 2014، تبين أن هذه العواصف ليست شذوذاً بل ظواهر متكررة تتفاعل مع الغلاف المغناطيسي لكوكبنا بشكل معقّد ومستمّر، ما يجعل مراقبتها ضرورة قصوى لضمان موثوقية البنية التكنولوجية الحديثة.
وفي نهاية المطاف، بات واضحاً أن فهمنا للفضاء وتأثيراته في الأرض ما زال في مراحله الأولى، وأن هذه الأعاصير قد تكون بمثابة جرس إنذار للعلماء والمختصين في مجالات الأقمار الاصطناعية وعلوم الفضاء. فقد أثبتت الدراسات المنشورة مؤخراً، ومنها ما ورد في دورية Space Weather، أهمية تقوية نظم الإنذار المبكر ومراجعة سبل حماية بيانات الملاحة من التشويش. وربما لو عبّرنا عن "العواصف البلازمية" بمصطلح "صواعق الإلكترون" أو ركزنا على توضيح علاقة الأيونوسفير بظواهر الشفق القطبي، لأصبح المقال أكثر قرباً من القارئ وتوجيهه نحو محاولة ربط الأخبار العلمية بحياته اليومية بسلاسة أكبر.