إنجاز صيني: تطوير أول كلية بشرية اصطناعية تعمل خارج الجسم

3 د
علماء صينيون يطورون كلية بشرية اصطناعية تعمل خارج الجسم بنجاح.
تستخدم الكلية الاصطناعية الأعضاء المصغّرة وتعمل بكفاءة لمدة تتجاوز 60 ساعة.
نجاح الكلية الاصطناعية يعزز الأمل في حلول لأمراض الكلى المزمنة.
التجارب المستقبلية تستهدف اختبار الكلية على الخنازير قبل تطبيقها على المرضى.
الابتكار يشير إلى ثورة في الطب التجديدي وإنتاج الأعضاء حسب الطلب.
في إنجاز علمي غير مسبوق، كشف باحثون من شنغهاي عن تطوير كلية بشرية اصطناعية قادرة على أداء جميع وظائف الكلية الطبيعية خارج جسم الإنسان. هذا العضو البيولوجي المصنعة يُعتبر الأول من نوعه على مستوى العالم، إذ يتمتع بالقدرة على تصفية الدم وتنظيم مستوى الأملاح والماء، بل وإنتاج البول بطريقة تحاكي ما تفعله الكلية الحقيقية داخل الجسم.
القصة بدأت داخل مختبرات التكنولوجيا الحيوية في الصين، حيث استخدم العلماء كريات جذعية لتكوين أنسجة كلية مصغرة تُعرف علمياً باسم الأعضاء المصغّرة أو organoids. هذه الأعضاء الصغيرة نُمت بدقة على هيكل ثلاثي الأبعاد من الهيدروجيل القابل للتحلل الحيوي، ثم تطورت تدريجياً على مدى أسابيع إلى شبكة معقدة من الوحدات الكلوية (النيفرون). تلك البنية احتوت على الجُسيمات الكبيبية والأنابيب الكلوية، بالإضافة إلى أقسام لتجميع البول. ولضمان نقل الدم واستمرار العمل، رُبطت الكلية المُصنعة بدورة دموية صناعية تتيح لها استقبال البلازما الحية وتصفية مخلفات الجسم بأمان.
نجاح هذا التصميم لم يكن مجرد إنجاز على الورق أو في أنبوب اختبار، بل استطاعت الكلية الاصطناعية المحافظة على فاعليتها لأكثر من 60 ساعة دون توقف. خلال هذه الفترة، تعاملت مع فضلات الجسم، وأعادت البلازما المفلترة إلى نظام الدورة الاصطناعية بشكل يشابه تماماً وظائف الكلى السليمة. الأكثر إدهاشاً أنها استجابت لهرمونات رئيسية مثل الهرمون المضاد لإدرار البول (ADH) وهرمون الألدوستيرون، ما مكنها من تعديل توازن السوائل والأملاح بدقة حسب الحاجة، تماماً كما تفعل الكلية داخل أجسامنا. وهذا يرسم رابطاً وثيقاً بين الأبحاث الحالية وبين الأمل في أجهزة دعم حيوية تحاكي الطبيعة.
تحديات زراعة الكلى
ارتباطاً بهذا النجاح، تبرز الحاجة الماسّة إلى حلول بديلة لمرضى القصور الكلوي، إذ يعيش قرابة 850 مليون إنسان حول العالم تحت وطأة أمراض الكلى المزمنة ويعانون من قلة المتبرعين وصعوبة إيجاد أعضاء مطابقة. الاعتماد على الغسيل الكلوي يقيد المرضى ويقلل جودة حياتهم، بينما تظل معاناة قوائم الانتظار مشكلة حقيقية في جميع دول العالم. حلول مثل هذا العضو المزروع مخبرياً تفتح الباب أمام تجاوز مشكلة رفض الأنسجة بعد الزراعة، وتقدم خيارات أكثر أماناً ومرونة لعلاج مرضى الفشل الكلوي المزمن.
تجارب ما قبل الإنسان
ومن هنا، يتجه فريق البحث الصيني حالياً إلى إجراء تجارب موسعة على الخنازير بهدف التأكد من فعالية وسلامة الكلى الاصطناعية قبل تجربتها على البشر. من المتوقع أن تبدأ الدراسات السريرية التجريبية على البشر خلال عامين، مع هدف نهائي يتمثل في إنتاج كلى "حسب الطلب" من خلايا المريض نفسه، بما يلغي مشكلة الرفض المناعي التاريخية نهائياً. هذه المرحلة تعد خطوة مفصلية نحو مستقبل تتوفر فيه أعضاء بديلة جاهزة للزرع متى احتاجها أي مريض.
آفاق طبية جديدة
وبينما يواصل العالم ترقب نتائج هذه التجارب على أحر من الجمر، يشير هذا الابتكار الصيني إلى ثورة متوقعة في مجال الطب التجديدي. فمن إمكانية إنتاج أعضاء كاملة خارج الجسم إلى استخدام الخلايا الجذعية وتقنيات الهندسة الوراثية — تصبح فكرة تصنيع الأعضاء الحيوية حسب الطلب أقرب من أي وقت مضى. هذا يحفز اهتمام مختبرات العالم لمواصلة الابتكار في المجالات المرتبطة بزراعة الأعضاء، والعلاج بالخلايا، وحلول أمراض الفشل العضوي المزمن.
باختصار، تبدو الكلية الاصطناعية الصينية خطوة استثنائية ستغيّر مستقبل الرعاية الصحية لمرضى الكلي، وقد تشكل بداية عصر جديد من تصنيع أعضاء بشرية مستقلة وفعالة. ويبقى السؤال: هل سنرى قريباً مستشفيات تقدم أعضاء مزروعة حسب الطلب، دون الحاجة إلى متبرع بشري ودون مخاطر الرفض؟ العلم يقترب من الإجابة أكثر من أي وقت مضى.