ابتكار جزيئات بحجم طوابع بريدية تخزن البيانات في درجات حرارة تصل الى 173 درجة تحت الصفر!

3 د
نجح العلماء في ابتكار جزيئات تخزن البيانات مغناطيسيًا في درجات حرارة منخفضة جدًا.
يستخدم الابتكار عنصر الديسبروزيوم في تركيبة جزيئية خطية لزيادة كفاءة التخزين.
الجزيئات المبتكرة يمكن أن تحمل 3 تيرابايت لكل سنتمتر مربع بحجم طابع بريدي.
تتطلب التقنية الجديدة تبريدًا اقتصاديًا، مما يجعلها مناسبة لتطبيقات مراكز البيانات الكبيرة.
الإنجاز يمهد الطريق لتقنيات تخزين مستقبلية أكثر كفاءة في الطاقة وأسرع أداءً.
تخيَّل للحظة أن جميع ملفاتك وصورك وفيديوهاتك يمكن حفظها على مساحة بحجم طابع بريدي صغير، وبسعة تخزين تفوق بأضعاف أقوى تقنيات اليوم. قد يبدو الأمر كخيال علمي، لكن العلماء في جامعتي مانشستر في بريطانيا والجامعة الوطنية الأسترالية نجحوا مؤخراً في ابتكار جزيئات تُخزّن البيانات مغناطيسياً في درجات حرارة متدنية قد تصل إلى 100 كلفن (أي حوالي 173 درجة مئوية تحت الصفر)، متجاوزين بذلك الرقم القياسي السابق البالغ 80 كلفن، مما يمهد الطريق نحو مستقبلٍ واعدٍ لتخزين البيانات بأساليب مبتكرة.
ما سر هذه الجزيئات المدهشة؟
يكمن مفتاح النجاح لهذا الإنجاز في التركيبة الجزيئية الفريدة، التي تعتمد على عنصر الديسبروزيوم (Dysprosium) المحصور بين ذرتي نيتروجين، في ترتيب خطي شبه مثالي. لتحقيق هذا الشكل الاستثنائي، أضاف الباحثون مجموعة كيميائية خاصة تُعرف باسم "الألكين" تعمل كقيد جزيئي، بهدف تثبيت الديسبروزيوم في وضعية خطية تماماً، عكس النمط الاعتيادي الذي يكون فيه الشكل منحنياً، وهو الأمر الذي رفع بشكل كبير قدرة الجزيئات على الاحتفاظ بالذاكرة المغناطيسية.
ولإيضاح سبب كفاءة هذا البناء الجزيئي الجديد، استعان العلماء بنماذج حسابية بالغة التعقيد أجريت على أقوى أجهزة الحوسبة المتوفرة في مركز البنية التحتية الوطني للحسابات الحاسوبية في أستراليا، و مركز باوسي المتخصص في الأبحاث المتطورة. هذه الحواسيب العملاقة سمحت للباحثين بفهمٍ دقيقٍ لكيفية مساهمة الشكل الخطي بخلق ما يُعرف بظاهرة "ذاكرة مغناطيسية لينة"، التي تحافظ على البيانات حتى في درجات الحرارة شديدة البرودة.
مساحات تخزين خيالية وصديقة للبيئة
ومن النتائج التي توصّل لها العلماء أن هذه الجزيئات قد تساعد في بلوغ كثافة تخزينية تصل إلى 3 تيرابايت لكل سنتمتر مربع واحد، وهي كمية مدهشة تسمح فعلياً بحفظ نحو 40 ألف قرص مدمج (CD) في مساحة لا تكاد تتجاوز حجم طابع بريدي صغير. وبصورة أخرى، هذا يعني أن مستقبل أجهزة التخزين قد يعتمد على حفظ المعلومة ضمن وحدات بحجم جزيء واحد فقط، مما قد يُحدث ثورة هائلة في مجال التقنية ويقرب البشرية من الحدود الفيزيائية القصوى للتخزين.
ولا تقتصر الميزة على زيادة القدرة التخزينية فقط، بل تشمل أيضاً إمكانية استخدام أجهزة تخزين تعتمد على هذه التقنية في درجات حرارة قريبة نسبيًا من درجة حرارة النيتروجين السائل (77 كلفن)، بدلاً من التبريد المكلف بالهيليوم السائل، ما يجعل التقنية أكثر اقتصادية لتطبيقات على مستويات كبيرة مثل مراكز البيانات التي تستخدمها شركات كبرى كغوغل.
خطوات نحو مستقبل واعد
على الرغم من أهمية هذا الإنجاز، لا تزال التقنية بعيدة عن التطبيق العملي للتخزين في درجة حرارة الغرفة العادية، لكن تخطّي عتبة الـ 100 كلفن هو إنجاز مميز يفتح أبواباً واسعة لتطوير تقنيات معلوماتية أكثر كفاءة في الطاقة وأسرع في الأداء. ويعتقد العلماء أن هذا الإنجاز يمكن أن يصبح حجر الزاوية والبداية الأساسية لتصميم نماذج محسّنة من المغناطيسات الجزيئية، تكون قادرة على الاحتفاظ بالبيانات في درجات حرارة أعلى وربما تصل لاحقاً إلى درجة حرارة الغرفة.
وفي المحصلة، يوضح هذا الكشف العلمي الواعد إمكانات كبيرة في تحقيق تحولات ثورية في تقنيات المعلومات والتخزين والحوسبة بشكل عام، عبر تخزين البيانات على المستوى الجزيئي الدقيق، ما يؤدي لنقلة نوعية في سرعات معالجة البيانات وتقليل استهلاك الطاقة والحفاظ على البيئة.
ولتعزيز فهم الموضوع وتبسيط القراءة، يُستحسن استخدام مفردات مثل "التبريد الاقتصادي" كبديل عن "تكلفة منخفضة للتبريد"، وكذلك يمكن توضيح المصطلحات العلمية مثل "سعة تخزين جزيئية" و"المغناطيس الجزيئي" عبر إضافة جمل مبسطة تربطها بالتقنيات الشائعة والتطبيقات اليومية. وفي النهاية، هذه الجزيئات تمثّل خطوة ثورية قد تغيّر معادلة التخزين الرقمي إلى الأبد، وتفتح أفاقاً واعدة نحو مستقبل لا نراه اليوم إلا في أفلام الخيال العلمي.