ذكاء اصطناعي

ابتكار صيني مذهل: ليزر يقرأ الكتابات من كيلومتر بعيد ويعيد تشكيل مفهوم الرصد عن بُعد

محمد كمال
محمد كمال

4 د

أعلن باحثون صينيون عن تقنية ليزر تقرأ النصوص من 1.

6 كيلومتر.

تعتمد التقنية الجديدة على "التداخل الشدّي" لرصد الأحرف الصغيرة بدقة.

يمكن لهذه التقنية مساعدة الأمن في مراقبة المنشآت وحطام الفضاء من مسافات بعيدة.

يثير استخدام التقنية الجديدة تساؤلات حول الخصوصية والمراقبة واسعة النطاق.

يحمل دمج التقنية مع الذكاء الاصطناعي إمكانات كبيرة في التحليل السريع والدقيق.

تخيل أنك تملك منظارًا خارقًا، يستطيع قراءة عنوان كتاب أو حتى كلمات متقاطعة من فوق سطح مبنى بعيد يفصل بينكما كيلومتر تقريبًا! هذا هو بالضبط ما أعلنه باحثون صينيون مؤخرًا، بعد تطويرهم لتقنية ليزر جديدة قادرة على قراءة أحرف لا يتجاوز طولها ثلاثة ميليمترات من مسافة تقارب الميل، أي نحو 1.6 كيلومتر. الحديث هنا عن إنجاز تقني يجمع بين أدوات الفلك، هندسة الضوء، الليزر، وذكاء الآلات لتغيير معالم الرصد عن بُعد بشكل غير مسبوق.

من مراقبة النجوم إلى استكشاف تفاصيل الأرض
يعود أصل هذه التقنية إلى ما يعرف بمصطلح "التداخل الشدّي" (intensity interferometry)، وهو أسلوب يستخدم منذ خمسينيات القرن الماضي في الأبحاث الفلكية لقياس أحجام النجوم البعيدة. كان الفلكيون يجمعون الضوء القادم من أجرام سماوية بعيدة ويعيدون تفكيكه عبر أنماط تداخل الضوء ليكشف لهم عن تفاصيل لم تكن تظهر بالطرق العادية. إلا أن الباحثين الصينيين أعادوا هذه الفكرة إلى الأرض، وأضافوا لها لمستهم الخاصة عبر الاستعانة بأشعة الليزر تحت الحمراء، ليطلقوا بذلك رحلة جديدة في عالم مراقبة الأجسام وتكبير التفاصيل الدقيقة.

ومع هذه الأرضية التاريخية، يصبح الانتقال من استخدام ضوء النجوم الطبيعي إلى تسليط الليزر المصنّع على الأجسام هنا على الأرض خطوة مبتكرة ذات تطبيقات أعمق.

كيف تعمل التقنية؟ حل اللغز ببساطة
بدل الانتظار لالتقاط شعاع من نجم بعيد، يقوم النظام الصيني بإطلاق ثمانية أشعة ليزر باتجاه الهدف المراد فحصه. عندما تصطدم هذه الأشعة بالسطح، يرتد الضوء نحو أجهزة استقبال فائقة الحساسية تجمع ما يشبه "الضوضاء الضوئية". هذا الكم الهائل من البيانات المبعثرة يتم تحليله وإعادة تشكيله عبر تقنيات معالجة الصور، لينتج في النهاية صورة واضحة مقروءة بالغة الدقة. تُبيّن التجارب أنه من خلال توزيع وتمييز تلك الأشعة المتعددة، يمكن الانتهاء من التشويش والقرب من نتائج شبه مثالية، بحيث تظهر الكلمات أو الرموز الصغيرة بمنتهى الوضوح حتى من مسافة تبدو مستحيلة بالنسبة للعين المجردة أو حتى العدسات التقليدية.

ويعيدنا هذا الإنجاز إلى المسارات التي أوصلت العلم إلى هنا: التزاوج الدقيق بين الليزر، تقنيات البصريات الرقمية، والبرمجيات المتقدمة في استخلاص وفك الشيفرة الضوئية.

استخدامات تتخطى الخيال: من الفضاء إلى الأمن الرقمي
يشير الباحثون إلى قدرة هذه التقنية على إدخال تحول نوعي في التعامل مع المخلفات الفضائية. فمع تزايد أعداد الأقمار الصناعية والأجسام المهملة حول الأرض، تصبح الحاجة ملحة لتمييز وفرز الحطام الفضائي بدقة من مسافات بعيدة، وهو بالضبط ما تتيحه هذه الأنظمة الحديثة المدعومة بالليزر والذكاء الاصطناعي. ويمكن للمجال الأمني الاستفادة منها أيضًا؛ فالتعرف على تفاصيل دقيقة مثل لوحات السيارات من ارتفاعات شاهقة أو مراقبة المنشآت الحساسة يندرج بسهولة في قائمة التطبيقات المحتملة. بالطبع، تثير هذه القدرات الجديدة أسئلة مشروعة حول الخصوصية وإمكانية استغلالها في أعمال المراقبة والرصد البشري على نطاق واسع.

وحين نتأمل في خطوات التطوير المقبلة، تبرز أهمية إضافة الذكاء الاصطناعي لزيادة كفاءة تحليل الأشكال والتمييز بين الأجسام بسرعة ودقة.

إمكانات مستقبلية وهواجس قديمة
الاندماج ما بين تقنيات الرؤية عن بُعد وأتمتة التحليل البصري يحمل وعودًا بتحسين حياة البشر وتسهيل الكثير من المهام البحثية والصناعية وحتى الحياتية. لكن إذا وضعنا التطورات في سياق أوسع، سنجد أنّ الشعور بالقلق من استغلال الإنجازات التقنية في المراقبة أو اختراق الخصوصية ليس بالأمر الجديد. التحدي هنا يكمن في تحقيق توازن دقيق بين الاستفادة من هذه القدرات العلمية وبين سن التشريعات والضوابط التي تحمي الأفراد داخل المجتمع التكنولوجي سريعة التطور.

ذو صلة

وهكذا، تتكامل الصورة أمامنا: من أداة لعلماء الفلك، إلى أداة ذكية لرصد تفاصيل الأرض وما عليها. الحديث عن "ليزر يقرأ عن بعد" لم يعد خيالًا علميًا، بل واقعا ملموسا.

في الخلاصة، يوحي هذا الابتكار بأن حدود الملاحظة البصرية البشرية ستتوسع في المستقبل القريب بشكل لم نعتد عليه من قبل. ولعلنا إذا استخدمنا تعبيرًا أقوى من "قراءة عن بعد"، كأن نقول "رؤية ما لا يُرى"، لأصبح الوصف أكثر دقة وجاذبية. ومن المفيد أحيانًا تضييق تركيزنا في التقارير القادمة على التحديات الأخلاقية والتقنية العميقة لهذه التقنية، ودمج جملة ربط لماذا هذا الاكتشاف قد يعيد رسم حدود الخصوصية وقواعد لعبة التكنولوجيا الحديثة – فالعالم ينتظر مزيدًا من التفاصيل والدهشة مع كل قفزة كهذه.

ذو صلة