ذكاء اصطناعي

اكتشاف جديد يقلب الموازين: الذكريات يتم تخزينها في خلايا الجسم بالكامل وليس الدماغ فقط!

محمد كمال
محمد كمال

4 د

اكتشف العلماء أن خلايا الجسم قد تحتفظ بذكريات مثل خلايا الدماغ.

تشير النتائج إلى فهم أعمق لذاكرة الجسم وتأثيرها على التعلم والعلاج.

التجارب بينت أن التعلم المتقطع يُفعل "جين الذاكرة" في الخلايا غير الدماغية.

النتائج تفتح الباب لأفكار علاجية جديدة في مواجهة النسيان والأمراض المزمنة.

قد نحتاج لإعادة تعريف مفهوم الذاكرة ليشمل خلايا الجسم.

هل يمكن أن تختزن أجسادنا ذكرياتنا خارج حدود الدماغ؟ هذا هو السؤال غير التقليدي الذي حمل فريق من العلماء في جامعة نيويورك للإجابة عليه مؤخرًا، ليصدموا الجميع بنتائج لم تكن تخطر ببال أحد: بعض خلايا الجسم غير الدماغية، مثل خلايا الكلى وحتى خلايا الجهاز العصبي خارج الدماغ، تمتلك القدرة على تعلم أنماط وتخزين الذكريات بشكل يشبه خلايا الدماغ.

في مقدمة هذا الاكتشاف العلمي المثير، يشير رئيس الفريق البحثي نيكولاي كوكوشكين إلى الاعتقاد المتجذّر بأن عملية التعلم وتخزين التجارب محصورة بين خلايا الدماغ فقط، بينما يُظهر بحثهم أن بقية خلايا الجسم تستطيع أيضاً اكتساب ذكريات، ولو بطريقتها الخاصة. يتفتح أمامنا هنا باب جديد لفهم أعمق لوظائف الذاكرة البشرية وتطبيقاتها، ليس فقط في علاج مشاكل فقدان الذاكرة، بل وربما في تقنيات تعزيز التعلم مستقبلاً.


كيف خاض العلماء هذه المغامرة المعرفية؟

لفهم العلاقة بين خلايا الجسم والذاكرة، استعان الباحثون بمفهوم معروف في علم الأعصاب يُدعى "تأثير الفواصل الزمنية"، والذي يشير إلى أن التعلم المتقطع (أو الدراسة على فترات متباعدة) أكثر فاعلية في ترسيخ المعلومات من المذاكرة المكثفة والمستمرة. من خلال هذه الفكرة، صمّم الفريق سلسلة من التجارب في المختبر، استخدموا فيها خلايا بشرية مأخوذة من الكلى والنسيج العصبي (خارج الدماغ)، وعرّضوها لأنماط مختلفة من الإشارات الكيميائية - مماثلة لتلك التي تتلقاها خلايا الدماغ عند اكتساب معرفة جديدة.

ومع استمرار الباحثين على هذا النهج، اكتشفوا أن هذه الخلايا غير الدماغية فعّلت "جين الذاكرة" ذاته الذي يستخدمه الدماغ في تخزين الذكريات. والأكثر إثارة أن استجابة هذه الخلايا اتسمت بحساسية للفواصل الزمنية: كلما كانت النبضات الكيميائية متباعدة زمنياً تفاعل الجين بقوة أكبر، مما يدل على أن عملية التعلم القائمة على التكرار المتباعد ليست مقصورة على الخلايا العصبية فقط، بل ربما تشكّل قاعدة أساسية في جميع خلايا الجسم.

وهذا يربط بين تجربة الفريق في مختبرات جامعة نيويورك والطموح الأعرض لتوسيع فهمنا للذاكرة لديه البشر، إذ يوحي بأن أجسادنا أكثر ذكاءً مما نتصور، وأن لكل خلية بصمتها الخاصة في سجل الذكريات.


دلالات طبية ونفسية.. ماذا بعد هذا الكشف؟

إذا فكّرنا في هذه النتائج من زاوية التطبيقات العملية، نجد أن الباب أصبح مفتوحًا لأفكار علاجية جديدة في مواجهة تحديات النسيان والخرف وحالات تراجع الذاكرة. يؤكد كوكوشكين أن فهم هذه القدرة "الخلوية" على التعلم يمكن أن يُحدث ثورة في طريقة تعاملنا مع مشاكل مثل داء السكري، إذ ربما تساعدنا معرفة ما "يتذكره" البنكرياس من أنماط وجباتنا على ضبط مستويات الجلوكوز بشكل أدق. بل حتى في الحالات المعقدة مثل السرطان، تثير النتائج تساؤلات حول ما تحفظه الخلايا المريضة من آثار العلاج الكيميائي، وما إذا كان يمكن استغلال الذاكرة الخلوية للتحكم في استجابات الخلايا للعلاج.

وما يزيد الموضوع تشويقًا هو مشاركة باحثين شباب من الجامعة - مثل تاسنيم تبسوم وروبرت كارني - في هذه الدراسة، ما يعكس طابع العمل الجماعي وحس الابتكار في مختبرات الأبحاث الحديثة. وهذا يربط جهود المواهب الشابة العلمية بتطورات فهم علمي ربما تثمر عن طرق جديدة تمامًا في دراسة وظائف الجسم وعلاج الأمراض المزمنة.


هل يعني هذا أننا بحاجة لإعادة تعريف الذاكرة؟

بالانتقال من الجانب التطبيقي إلى المنظور الفلسفي، تُشير هذه الاكتشافات إلى أننا ربما ضيّقنا مفهوم الذاكرة حين حصرناها في الدماغ وحده. إذا تبين أن خاصية تخزين الأنماط والاستفادة من التكرار المتباعد متجذّرة في بنية خلايانا جميعًا، فلا بد أن يعاد التفكير في معنى "تذكر" الجسم لأنماط الحياة أو الاستجابة للأحداث المتكررة. إن الخطوة القادمة لن تكون فقط في تطوير أدوية جديدة أو مناهج تعلم أكثر فاعلية، بل ربما في إعادة النظر لتعريف الذاكرة الإنسانية وجعلها أكثر شمولاً واتساعًا.

ذو صلة

وفي الختام، يكشف هذا البحث عن حاجتنا للانفتاح على مصطلحات أكثر ثراءً من قبيل "ذاكرة الجسم" أو "الذكاء الخلوي" بدلاً من حصرها في ميدان الدماغ وحده. ربما لو ضيّقنا تركيزنا في بعض العناوين أو استبدلنا كلمة "جين الذاكرة" بعبارة "البصمة الوراثية للذاكرة" سنضفي مزيدًا من التشويق والدقة على الطرح، مع أهمية ربط الأفكار بجمل انتقالية تعزز تدفق القراءة وتربط كل اكتشاف علمي بسياق حياتنا اليومية وفهمنا لأنفسنا.

إذا ظل العلم يتحرك في هذا المسار، فقد نصبح أقرب إلى اكتشاف كيف تخزّن أجسادنا، لا أدمغتنا فقط، ذكرياتنا وتميزنا كبشر.

ذو صلة