ذكاء اصطناعي

اكتشاف صادم: مرض باركنسون قد يبدأ في الكلى وليس الدماغ

محمد كمال
محمد كمال

3 د

كشفت دراسة حديثة أن مرض باركنسون قد يبدأ في الكلى وليس الدماغ.

أظهرت الدراسة تراكم بروتين "ألفا-سينوكلين" في الكلى قبل انتقاله للدماغ.

يقدم الاكتشاف مفاهيم جديدة للعلاج والوقاية من باركنسون.

يسلط الضوء على أهمية مراقبة صحة الكلى كعامل خطر محتمل.

تفتح النتائج آفاقاً جديدة في فهم ومنع التنكس العصبي.

في خطوة قد تغيّر تصورات الأطباء والباحثين حول العالم، كشفت دراسة علمية حديثة أن منشأ مرض باركنسون، أحد أكثر الاضطرابات العصبية شيوعاً، قد يكون في الكلى بدلاً من الدماغ كما كان يُعتقد منذ عقود. هذا الاكتشاف يقدمه العلماء اليوم كنقطة تحول جوهرية في فهم تطوّر المرض ومسارات انتشاره داخل الجسم.

تفاصيل الدراسة الجديدة أظهرت أن بروتين "ألفا-سينوكلين" الذي يُعد العلامة الرئيسية في تشخيص باركنسون – إذ يتجمع على شكل ترسبات غير طبيعية – يمكن أن يتراكم داخل خلايا الكلى أولاً قبل أن ينتقل إلى الدماغ ويؤدي لأعراض المرض المعروفة مثل الرعشة وبطء الحركة. هذه النتيجة تخالف بقوة الرأي السائد بأن الجهاز العصبي المركزي هو مهد الاضطراب، وتفتح الباب أمام طرق جديدة للعلاج والوقاية.

في هذا السياق، قام الباحثون بتحليل عينات بشرية ونماذج حيوانية. اللافت أن ترسبات "ألفا-سينوكلين" ظهرت بوضوح في كلى مرضى مصابين بأمراض جسدية مستعصية، كالفشل الكلوي المزمن وأمراض الجسم اللويوي، حتى لدى من لم تظهر عليهم أي أعراض عصبية بعد. من المعروف أن الكليتين تلعبان دوراً مركزياً في تصفية البروتينات الضارة من مجرى الدم؛ وعندما تتعطل وظيفتهما، يزداد احتمال تراكم هذه البروتينات وانتقالها تدريجياً نحو الجهاز العصبي المركزي.

ويأتي الربط هنا بين صحة الكلى وقابلية الجسم للإصابة بباركنسون ليعيد تسليط الضوء على فكرة أن مرض باركنسون قد لا يكون معزولاً في الدماغ فقط. فقد أظهرت التجارب على الفئران أن حقن بروتين "ألفا-سينوكلين" في الكلية أدى إلى تشكل أذى مرضي في الدماغ، وهذا التأثير تراجع بقوة عندما أُزيلت الأعصاب الكلوية لدى نفس الحيوانات. حتى الفئران التي عُدّلت وراثياً بحيث تفتقر لهذا البروتين في خلايا دمها، ظهرت لديها علامات أقل من الضرر الدماغي، مما يعزز فرضية أن مصدر المرض قد يكون خارج الدماغ.


تفسيرات وآفاق جديدة للمرض

الانتقال من فهم باركنسون كاضطراب عصبي خالص إلى احتمال كونه نتيجة سلسلة من التفاعلات الفسيولوجية في الكلى يغيّر قواعد اللعبة العلاجية. فالكثير من الناس يعانون من أمراض الكلى المزمنة ويظلون تحت خطر غير مرئي لتطور أمراض عصبية مستقبلية. وبإمكان رصد ترسبات البروتين الضار في الكلى أو مراقبة وظائف الكلى البسيطة أن تمنح الأطباء نافذة زمنية ثمينة للتدخل المبكر—قبل أن تصل المخاطر إلى الجهاز العصبي.

ومن هذا المنطلق، يتضح أن اكتشاف هذا المسار الحيوي الجديد يفتح آفاقاً واسعة للوقاية والاستباق، فبدلاً من التركيز فقط على الدماغ، قد يصبح من المجدي مراقبة الصحة الكلوية كإجراء روتيني في حالات تعرض المريض لعوامل خطر باركنسون.

ذو صلة

وفي ضوء هذه النتائج المذهلة، يرى الخبراء أهمية إعادة النظر في نظرتنا النمطية لأمراض التنكس العصبي. فالكلى لا تقتصر أهميتها على عمليات التصفية البيولوجية، بل يبدو أنها تلعب دوراً حاسماً في حماية الدماغ ومحاصرة تراكم البروتينات الضارة، كما قد يكون الالتهاب وفشل التصفية الكلوية محرّكات خفية للأمراض العصبية المزمنة.

خلاصة القول، تعيد هذه الدراسة ملف باركنسون إلى نقطة الصفر تقريباً، وتدعو لإعادة تقييم شامل لمنظومة التشخيص والوقاية للتنكس العصبي، بدءاً من «معمل الجسم» الذي لطالما تجاهله الأطباء: الكليتين. وربما لو استخدمنا كلمة "ترسبات البروتين الضار" بدلاً من مجرد الحديث عن البروتين نفسه، أو وسعنا التركيز على العلاقة بين الكبد والكلى في تصفية الدم، لأضفينا مزيداً من الوضوح والتماسك على الحوار العلمي. حتماً تبقى الأبحاث مستمرة، لكن لم يكن باركنسون يوماً أكثر غموضاً أو إثارة للفضول مما هو عليه اليوم.

ذو صلة