ذكاء اصطناعي

اكتشاف علمي جديد يعيد الذاكرة إلى طبيعتها عبر تنشيط مراكز الطاقة في الدماغ

محمد كمال
محمد كمال

3 د

أثبت البحث دور الميتوكوندريا في استعادة الذاكرة لدى نماذج حيوانية.

تعاون معهد الصحة الفرنسي وجامعة بوردو طور أداة "mitoDreadd-Gs".

تحفيز نشاط الميتوكوندريا يظهر تحسنًا في اختبارات الذاكرة.

يوصى بدراسة دور الميتوكوندريا كهدف علاجي لأمراض الذاكرة.

التقدم يفتح آفاقًا جديدة لتطوير أدوية تكبح جماح الزهايمر والخرف.

هل تخيلت يوماً أن بإمكان العلماء استرجاع الذاكرة المفقودة بإصلاح أجزاء صغيرة داخل خلايا الدماغ؟ أحدث أبحاث معهد الصحة الفرنسي "إنسيرم" وجامعة بوردو، بالتعاون مع جامعة مونكتون الكندية، تكشف تطوراً مذهلاً: لأول مرة، أثبت الباحثون أن تحسين عمل الميتوكوندريا - وهي العضيات الصغيرة المسؤولة عن إنتاج الطاقة داخل الخلية – يمكن أن يعيد الذاكرة في نماذج حيوانية مشابهة لأمراض مثل الزهايمر والخرف. هذا الإنجاز قد يمهد الطريق لعلاجات مبتكرة تستهدف مشاكل الذاكرة من جذورها.

في قلب هذا البحث كانت هناك فكرة بسيطة لكن جريئة: ماذا لو كانت الميتوكوندريا هي السبب الرئيسي لتدهور وظائف الدماغ في الشيخوخة وأمراض التنكس العصبي؟ لطالما عُرفت الميتوكوندريا بدورها في إمداد الخلايا بالطاقة، ولأن الدماغ من أكثر أعضاء الجسم استهلاكاً للطاقة، تعتمد خلايا المخ، أو ما يعرف بالعصبونات، على كفاءة هذه "المحركات" الدقيقة لضمان التواصل بينها. عندما يفشل هذا النظام، تبدأ العلامات الأولى لمشكلات الذاكرة والقدرات الذهنية.

ولأن مشكلة الأمراض العصبية المعقدة مثل الزهايمر مقرونة بتدهور تدريجي لوظائف الخلايا العصبية، لطالما دار جدل بين العلماء: هل ضعف نشاط الميتوكوندريا مجرد عرض جانبي أم أنه جزء أصيل وتحريضي في مسار تدمير الخلايا العصبية؟ المشكلة كانت في قلة الأدوات التي تتيح التأكد بشكل تجريبي من هذه العلاقة.


أداة مبتكرة لإحياء نشاط الخلايا

هنا لم يقف الباحثون مكتوفي الأيدي. طور الفريق العلمي أداة فريدة أطلقوا عليها اسم "mitoDreadd-Gs"، وهي مستقبل اصطناعي يمكّن العلماء من تنشيط البروتينات المرتبطة بالميتـوكوندريا داخل المخ بدقة محسوبة. بعد تفعيل هذه الأداة في أدمغة نماذج الفئران المصابة بخلل يشبه الخرف، لاحظ الباحثون شيئاً مدهشاً: تحسن ملحوظ في اختبارات الذاكرة بعد عودة النشاط الميتوكوندري لوضعه الطبيعي. وهذا بدوره يؤكد أن ضعف الميتوكوندريا ليس مجرد نتيجة، بل عامل مؤثر فعلي في ظهور فقدان الذاكرة وأن تعزيز أدائها قد يحمل أملاً في العلاجات المستقبلية.

وبهذه النتائج الاستثنائية، ظهر الآن اقتناع جديد لدى المختصين بضرورة توجيه الأبحاث المستقبلية نحو الميتوكوندريا كهدف علاجي محتمل في مكافحة أمراض الشيخوخة الدماغية. وهذا يدفعنا لمزيد من التأمل في الكيفية التي تلعب فيها هذه العضيات دوراً محورياً خارج مجرد إنتاج الطاقة، لتصبح خط الدفاع الأول ضد الضمور العصبي الحاد.


ما التالي… وهل يمكن وقاية أدمغتنا؟

عبر هذه الاكتشافات، يرى الباحثون مثل البروفيسور جيوفاني مارسكانو من معهد "إنسيرم" أن الخطوة الطبيعية القادمة هي دراسة تأثير التحفيز المستمر لنشاط الميتوكوندريا، أملاً في تأخير أو حتى وقف تدهور الخلايا العصبية تماماً. هذا النهج يفتح صفحة جديدة في فهمنا لدور الطاقة الخلوية ومفاتيح الصحة الدماغية، مما يجعل الميتوكوندريا منصة واعدة لتطوير أدوية تكبح جماح الزهايمر، الخرف، واضطرابات الذاكرة المشابهة.

ذو صلة

ولا شك أن خطط الأبحاث القادمة ستركز على عزل الآليات الجزيئية والخلوية داخل الميتوكوندريا لمعرفة ما يحدث تحديداً عند تحفيزها، وكيف يمكن ذلك أن يبطئ أو يمنع الضرر العصبي واسع النطاق. كل هذا يقدم لنا منظوراً جديداً في مجال علم الأعصاب، حيث لم يعد التركيز مقتصراً على البروتينات أو الالتهاب العصبي فقط، بل أصبح للعمليات التنفسية الدقيقة داخل الخلية نصيب متزايد من الأهمية.

ختاماً، توضح هذه الدراسة أن سر علاج فقدان الذاكرة ربما يكمن في هذه المحركات المجهرية التي طالما أغفلها العلم. بالاستثمار في فهم وتحفيز الميتوكوندريا، تتاح أمامنا احتمالات واعدة لصون ذكرياتنا؛ فربما قريباً يصبح الأمل في إبطاء أو عكس أمراض الدماغ المزمنة حقيقة واقعة لا خيالاً علمياً.

ذو صلة