ذكاء اصطناعي

اكتشاف علمي مذهل يفك شفرة قنوات الرومان المائية المعقدة بعد 2000 عام

محمد كمال
محمد كمال

3 د

اكتشف علماء تاريخ قناة آرل المائية الرومانية، التي شيدت قبل ألفي عام.

استخدم الباحثون رواسب كربونات قديمة للكشف عن تفاصيل بنية النظام المائي.

تعتمد مدينة آرل في مياهها على قنوات من سفوح جبال الألب الجنوبية منذ 3 قبل الميلاد.

أعادت القنوات القديمة استخدامها لتشغيل طاحونة مائية ضخمة في باربيغال.

أثبتت التحليلات الأخيرة أن أنابيب الرصاص كانت تستخدم لنقل المياه عبر نهر الرون.

هل فكرت يومًا كيف تمكن الرومان من تشغيل أنظمتهم المائية المعقدة في الماضي البعيد؟ لطالما أبهرتنا القنوات المائية الرومانية بإتقانها الهندسي، لكن تفاصيل تشغيلها وتطورها عبر القرون ظلت لغزًا لعقود طويلة. وفي خطوة علمية هامة، تمكن فريق بحثي من جامعات ماينز وأوكسفورد وإنسبروك من الكشف عن تاريخ قناة آرل المائية الشهيرة في إقليم بروفانس الفرنسي، التي شيدت قبل ألفي سنة.

لتفسير هذه الأسرار المعقدة، لجأ الباحثون إلى نوع من الرواسب المعدنية يعرف بـ\"الكربونات\"، وهي رواسب كلسية تتكون بشكل طبيعي نتيجة مرور المياه على أسطح القنوات وأحواض الخزن والأنابيب المصنوعة من الرصاص في الأزمنة القديمة.


قناة واحدة أم منظومة مياه معقدة؟

على عكس الدراسات السابقة التي كانت تركز على قناة مائية محددة، قام هذا الفريق العلمي بتحليل منظومة المياه الكاملة في مدينة آرل الرومانية. فهذه المنظومة لم تتضمن قناةً واحدةً فقط، بل شبكة متكاملة من القنوات وأحواض التخزين والبنية التحتية التي كانت تمد المدينة بالمياه طوال قرون. وعن هذه الدراسة، يُوضح الدكتور غول سورمليهندي، الباحث الرئيسي في جامعة يوهانز غوتنبرغ ماينز: \"هذه الدراسة مثال واضح لفهم كيفية عمل النظام المائي الروماني؛ قامت بحل الكثير من الأسئلة حول الصيانة والتكيف الهندسي للنظام على مر الزمن\".


سر الرواسب الكلسية يكشف الحقائق

وقد كانت تلك الرواسب، التي استخرجت من القنوات ومن حمامات قسطنطين الشهيرة، الدليل الحاسم في اكتشاف التغيرات التي طرأت على النظام عبر العصور. فالتحليلات الجديدة أثبتت أن مدينة آرل بدأت استقبال المياه من سفوح ضفاف جبال الألب الجنوبية منذ عام 3 قبل الميلاد. وبعد نحو قرن من الزمان تقريبًا، بُنيت قناة ثانية من الجهة الشمالية لنفس السلسلة الجبلية، وجرى استخدامها لتعزيز إمدادات المياه للمدينة.

والأكثر إثارة في الاكتشاف هو تأكيد الباحثين أن القنوات الأصلية لم تتوقف، بل أعيد استخدامها لتشغيل طاحونة مائية ضخمة من 16 عجلة بالقرب من باربيغال. ويوضح البروفسور سيس باشير أن هذه التغييرات كانت أدلة على مرونة وذكاء المهندسين الرومان في إعادة استخدام المنشآت الموجودة وتحويل وظيفتها حسب احتياجاتهم المتغيرة.

لم يتوقف الفريق عند ذلك، بل تأكدوا أيضًا من حل لغز حمامات قسطنطين، فقد أظهرت بقايا سقفها الكربونية توافقًا مع رواسب الكربونات من القناة الشمالية، مما أثبت أن تلك الحمامات بُنيت في بداية القرن الرابع الميلادي باستخدام مياه بقيت تتدفق عبر القناة الشمالية ذاتها. وهكذا استخدم الرومان الكربونات المزالة من قنوات المياه كمادة بناء.


الأنابيب الرصاصية: لغز آخر يجد حله

كذلك تمكّن الباحثون أخيرًا من الإجابة على السؤال القديم بشأن أنابيب الرصاص العملاقة التي عُثر عليها في القرن التاسع عشر في قاع نهر الرون. هل كانت تستخدم لنقل المياه من آرل إلى ضفة أخرى من النهر؟ التحليلات التي أُجريت أكدت فعلًا أن هذه الأنابيب الضخمة كانت تنقل المياه باتجاه منطقة ترانكوتاي المقابلة عبر ما يسمى بنظام السيفون العكسي، وهو طريقة ذكية كانت مستخدمة لنقل المياه عبر أراضي منخفضة أو أنهار.

ذو صلة

وبذلك، يكشف هذا البحث عن تفاصيل دقيقة ظلت مجهولة طويلًا لأحد أهم نظم إدارة المياه في العالم القديم. ولولا رواسب الكربونات وتغيراتها الكيميائية، لما أمكن إجراء هذه المضاهاة الدقيقة لتفاصيل التاريخ الهندسي الروماني.

وفي الختام، تقدم هذه الدراسة صورة واضحة وموثوقة لكيفية تطور وتشغيل تلك القنوات التي ظلت تعمل حتى القرن الخامس الميلادي، قبل أن تتأثر بالاضطرابات السياسية وغزو الفرنكيين والبورغونديين. هذه الإنجازات العلمية تُظهر اتقانًا وخبرة رومانية مذهلة في إدارة المياه، والتي يمكن أن تكون مصدر إلهام لحلول أكثر استدامة لإدارة مواردنا الطبيعية اليوم. لعل استخدام مصطلحات أو تعبيرات ذات قوة دلالية أكبر في أجزاء معينة يزيد من التشويق للقارئ ويمنح الدراسة أبعادًا تاريخية وهندسية أكثر عمقًا.

ذو صلة