اكتشاف علمي يمهد الطريق لابتكار محرك يسمح بالسفر أسرع من الضوء

4 د
ابتكر العلماء محرك الالتواء الذي قد يكسر حاجز سرعة الضوء.
نموذج المحرك يعتمد على نظرية فقاعات الزمكان بدون الحاجة للطاقة السلبية.
الأبحاث الجديدة تتجاوز قيود النماذج السابقة باستخدام معادلات كان يخشى تطبيقها.
الإنجاز الحالي يمهد للرحلات الاستكشافية السريعة بين النجوم في المستقبل.
ميغيل ألكوبييري، صاحب الفكرة الأصلية، أيّد هذا التطور الجديد ويشيد به.
أن يصبح السفر إلى أقرب النجوم حلمًا واقعيًا، وليس مجرد مشهد من أفلام الخيال العلمي. يبدو أن الطريق إلى هذا الإنجاز العظيم قد أصبح أقصر مما ظننا مؤخرًا، بعد إعلان مجموعة من العلماء عن تطوير أول نموذج فيزيائي عملي لما يعرف بمحرك الالتواء أو "الوارب درايف" – خطوة طالما حلمت بها الإنسانية لكسر حاجز سرعة الضوء والانطلاق إلى أعماق الكون.
لطالما كان مفهوم محرك الالتواء مادة دسمة للخيال العلمي، فعشاق مسلسل "ستار تريك" يعرفون جيدًا كيف فتحت هذه الفكرة للأبطال أبعادًا جديدة. لكن على أرض الواقع، ظل هذا الحلم يصطدم بجدار صلد من القوانين الفيزيائية. الفكرة كانت تقول: حتى نُسرّع مركبة فضائية لتتجاوز الضوء، فإننا بحاجة إلى طاقة خيالية أو حتى مادة غريبة تسمى الطاقة السلبية – وهي نوع من المادة غير موجود فعليًا في كوكبنا، إن لم يكن في الكون كله. هذه العقبة جعلت كثيرين يظنون أن رحلات الفضاء بسرعات خارقة ستظل مجرد خيال. ولكن، البحث العلمي يأبى الاستسلام دومًا.
وهنا تظهر أهمية البحث الجديد الذي نشره فريق من مختبر الدفع المتقدم "أدفانسد بروبالشن لابوراتوري" التابع لمؤسسة "أبلايد فيزيكس" في مجلة علمية مرموقة. وتتمثل المفاجأة أنهم نجحوا في تقديم نموذج نظري لمحرك الالتواء يمكن بناؤه بموجب قوانين الفيزياء المعروفة حاليا، دون الاعتماد على الطاقة السلبية أو المواد الغريبة التي أثقلت كاهل النماذج النظرية السابقة. وهذا بحد ذاته، يعتبر إنجازًا غير مسبوق في علم الدفع الفضائي.
محرك الالتواء: من خيال ستار تريك إلى واقع الفيزياء
لنعش قليلاً أجواء فيلم خيال علمي – مركبتنا لا تدفع نفسها للأمام بدفع مباشر، بل تتلاعب ببنية الزمكان نفسها: تتقلص المسافة أمام المركبة وتتمدد خلفها، فينتقل "الفقاعة" المحيطة بالسفينة من مكان لآخر دون أن تخرق قوانين النسبية، لأن الحركة حقيقية تحدث للزمكان لا للمركبة نفسها! هذه كانت رؤية الفيزيائي ميغيل ألكوبييري عام 1994 حين صاغ فكرة "محرك ألكوبييري" بموجب معادلات أينشتاين للنسبية العامة. لكن بقيت فكرته نظرية مستحيلة التطبيق بسبب المتطلبات التعجيزية للطاقة السلبية والكتلة الهائلة.
لذلك، هيمن التشاؤم لفترة طويلة بين صفوف العلماء، فالمعادلات يفترض أن ما يُسمح بفعله في الحساب أصعب بكثير عند المحاولة العملية. غير أن العلماء في البحث الجديد استغلوا فكرة "فقاعات الزمكان" بعبقرية: بدلاً من تحريك السفينة عبر الفضاء، يتم تكوين فقاعة من الزمكان حول المركبة، بحيث تصبح الفقاعة هي التي تتحرك. هذا التغيير النظري الهام يسمح بالغاء الحاجة للطاقة السلبية تقريباً بحسب تصريح الفريق.
وانطلاقاً من هذه النقطة، يظهر الترابط مع الأبحاث السابقة في الدفع الفضائي. الباحثون استخدموا أطرًا رياضية تبرهن عمليًا أنه من الممكن تشكيل هذه الفقاعات معتمدين – ولو في الحدود القصوى – على معادلات الطاقة والكتلة العادية وليس مواد خيالية. هكذا، يرتسم للمرة الأولى أمل حقيقي لدفع الأسرع من الضوء دون خرق قواعد الفيزياء كما نفهمها اليوم.
العقبات والتطلعات المستقبلية
مع ذلك، يعترف العلماء أن الرحلة مازالت في بدايتها. فهم صرحوا بوضوح أن متطلبات الكتلة والطاقة، ورغم أنها أقل جنونًا من فكرة الطاقة السلبية، مازالت ضخمة جدًا بالنسبة للتقنيات الحالية – قد تتجاوز ما تستطيع الأرض توليده في قرن. لكن في المقابل، فإن الاعتراف بأن الفكرة باتت ممكنة حسابيًّا وقائمة على علوم معروفة يعكس تغيرًا هائلًا في منظور البحث العلمي حول السفر عبر النجوم.
ويشكل هذا الإنجاز نقطة تحوّل متصلة بمساعي الوكالات مثل ناسا التي حاولت لعقود اختبار إمكانيات الدفع بالزمكان – مثل اختبارات "إيغل ووركس"، ولكن دون نتيجة حاسمة. اليوم، تتجدد الآمال في أن تقترب يومًا ما مركبات استطلاعية حقيقية من حدود ألفا قنطورس أو غيرها من النجوم القريبة، بأزمنة تناسب عمر الإنسان وليست آلاف السنين.
من هنا، ينتقل بنا المشهد إلى عالم جديد من تطلعات البشرية. فخلال العقود القادمة، وربما مع تطور هندسة الطاقة والمواد، قد يكون التوصل لمحرك التواء عامل التحفيز الأكبر لثورة جديدة في استكشاف الكواكب والنجوم.
رؤية ألكوبييري وتأييد العلماء
الطريف والداعم للقصة أن ميغيل ألكوبييري نفسه، صاحب فكرة المحرك الأصلية، أبدى إعجابه بهذا النموذج الجديد وأيّده، كأن أينشتاين نفسه حضر في قاعة محاضرات ليعلن أن الجيل الجديد من العلماء يمشي على طريق صواب. هذا مؤشر على حجم الثقة والأمل الذي بثه الاكتشاف في أوساط الفيزيائيين.
وبطبيعة الحال، لا يمكننا تجاهل أن تطبيق هذه الفكرة – وهو صنع محرك التواء حقيقي – قد يستغرق عشرة عقود أو أكثر، وربما يتأجل حتى القرن المقبل. مع ذلك، يبقى الأمل قائما أكثر من أي وقت مضى، خصوصًا مع التواصل العلمي المتسارع والجهود الدولية في مجالات الهندسة والفيزياء النظرية.
في الختام، يبدو أن الحدود بين الخيال العلمي والواقع بدأت تتلاشى على يد العلماء ورواد الفضاء الجدد. السفر بسرعة تفوق الضوء لم يعد فكرة مستحيلة بنظر العلم الحديث، بل مشروع طويل الأمد، بدأ أول فصوله الحقيقية. ربما سيأتي يوم يُصبح فيه الوصول إلى النجوم حلمًا يمكن تحقيقه؛ رحلة تبدأ اليوم بخطوة علمية جريئة وأكثر واقعية مما كنا نتصور.