ذكاء اصطناعي

اكتشاف غابات ومدن كاملة قديمة تحت جليد القطب الجنوبي!

فريق العمل
فريق العمل

3 د

اكتشاف العلماء "قارة غابات وأنهار" تحت القارة القطبية الجنوبية.

تقنيات حديثة مثل الأقمار الصناعية ورادارات الجليد ساهمت في الكشف.

تكونت المنطقة قبل 34 مليون عام، وظلت محفوظة بفضل الجليد.

القارة كانت يوما مليئة بالغابات بسبب ثاني أكسيد الكربون المتغير.

البحث يعزز فهم تغيرات الأرض والتكيف مع تغيرات المناخ.

تخيل معي للحظة أنك تقف في وسط قارة جليدية ضخمة، حيث تمتد أمامك الثلوج إلى ما لا نهاية، وتحت قدميك تماماً، على عمق يصل إلى ألف متر من الجليد الصلب، يخفي هذا العالم الأبيض لغزاً عمره ملايين السنين: قارة غابات وأنهار محفوظة منذ زمن بعيد.

هذا بالضبط ما كشف عنه مؤخراً فريق من العلماء في منطقة ويلكس لاند، شرق القارة القطبية الجنوبية، والتي تقابل المحيط الهندي الجنوبي، وتبلغ مساحتها حوالي 31 ألف كيلومتر مربع، أي ما يعادل مساحة دول بأكملها. باستخدام تقنيات متطورة، بما فيها صور الأقمار الصناعية ورادارات اختراق الجليد، استطاع الباحثون أن يحددوا معالم خريطة طبيعية مذهلة، تضم سهولاً واسعة وثلاثة تلال مرتفعة تفصل بينها وديان عميقة يصل عمق بعضها إلى أكثر من 1200 متر.

وهذا الكشف لم يكن مجرد اكتشاف لمنطقة جغرافية خفية، بل هو بمثابة التقاط صورة من الماضي البعيد، حيث أكد العلماء أن هذه المنطقة قد تشكلت قبل ما يقارب 34 مليون عام، وذلك قبل أن تتغطى بالقشرة الجليدية الضخمة التي نعرفها اليوم. وهي منذ حوالي 14 مليون سنة استطاعت أن تقاوم عوامل الزمن والطقس، وظلت محفوظة دون تغير بفضل طبقة الجليد التي تتحرك ببطء شديد وتمنع حدوث أي تآكل أو تدمير للمعالم الطبيعية تحتها.

والمذهل حقاً في هذا الاكتشاف أنه يحمل دليلاً على أن القارة القطبية، والتي نعرفها اليوم كصحراء جليدية خالية تقريباً من أي شكل للحياة الخضراء، كانت يوماً ما عامرة بالغابات الكثيفة، وربما كانت توجد بها أنهار تجري وتمايلت فوق أرضها أشجار النخيل في ظل مناخ معتدل دافئ. وتشير الأدلة العلمية إلى أن تغير موضع القارات وتراجع كبير في نسبة ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي كان أحد أهم الأسباب وراء تحول تلك الجنة الخضراء إلى صحراء جليدية تغطيها طبقات من الجليد السميك.

ومن الملفت أن التكنولوجيا الحديثة لعبت دوراً أساسياً في هذا الاكتشاف، فالأقمار الصناعية والرادارات التي تخترق طبقات الجليد الكثيفة استطاعت تحديد تفاصيل التضاريس تحتقتبية مثل المرتفعات والوهاد والهضاب المخفية عن أعيننا. كما استُخدمت نماذج الحاسوب لمحاكاة كيفية تطور تضاريس القارة القطبية على مدار العصور، والمفاجئ أن هذه النماذج أوضحت أن طبيعة الأرض هناك حافظت على شكلها حتى في الفترات التاريخية التي كانت فيها الأرض أكثر دفئًا نسبياً مثل عصر المايوسين المتوسط (البليوسين) التي جرت قبل حوالي ثلاثة ملايين سنة.

هذا الاكتشاف لا يغير فقط فهمنا لتاريخ القارة القطبية الجنوبية، بل هو يحمل رسائل مهمة تخص المستقبل أيضاً، كما يؤكد الدكتور نيل روس من جامعة نيوكاسل: "مع ارتفاع مستويات ثاني أكسيد الكربون التي تواجه كوكبنا اليوم، علينا أن نفهم جيداً كيف يمكن أن تتفاعل الأغطية الجليدية مع هذه التغيرات، لأن فقدان كميات ضخمة من الجليد سيسبب تغيرات جذرية في ظروف مناخنا واقتصادنا ومجتمعاتنا".

ذو صلة

وبعكس كل التوقعات، فإن مكاناً مثل القارة القطبية الجنوبية، الذي يبدو اليوم جامداً وثابتاً، لديه تاريخ متغير جداً ويحتفظ بذكريات أزمنة خضراء مليئة بالحياة. إن مواصلة استكشاف هذه المنطقة وكشف المزيد من أسرارها من خلال عمليات الحفر والتقصي تحت سطح الجليد قد يقدم إلينا دروساً قيّمة عن مرونة الأرض، وكيفية تأقلمها مع الظروف الصعبة، ومن المحتمل أن يساعدنا في تحقيق فهم أفضل للاستعداد لمواجهة تحديات مناخ المستقبل.

هذا الكشف الرائع يحثنا جميعاً على التفكير في مدى قوة الطبيعة، وكم نجهل بعد من تاريخ كوكبنا ومن قدرته المدهشة على التحول والتكيف. ربما يحفزنا أكثر من أي وقت مضى للتأمل في حقيقة أن الأرض كيان ديناميكي يتغير بشكل دائم. ولأن إخبار القصة الجيدة يتطلب منا دوماً اختيار كلمات معبرة بدقة، ربما كان من الأفضل أحياناً اختيار عبارة "قارة مجهولة العوالم" بدلًا من "عالَم خفي"، لإعطاء هذه الحقيقة حقها في الدهشة والتعمق في مفهوم الاكتشاف العلمي. ويبقى هذا الاكتشاف المذهل رسالة واضحة لنا جميعاً للبحث والاكتشاف وللحفاظ على كوكبنا العزيز والاعتراف بإمكاناته المُدهشة وبتاريخه الحافل بالتغيرات والأسرار التي لم يبح بها بعد.

ذو صلة