اكتشاف محيطات خفية تحت الأرض: سرّ يُعيد تشكيل مفاهيمنا الجيولوجية ويكشف أسراراً جديدة!

4 د
اكتشف العلماء محيطًا خفيًا تحت الأرض يغير فهمنا للكون تمامًا.
توجد كميات هائلة من الماء في "منطقة الانتقال" بين 410 و660 كم عمقًا.
أظهرت المعادن مثل "رينجووديت" قدرتها على احتجاز الماء بأعماق الأرض.
هذا الاكتشاف يعيد النظر في دورة المياه وحركة الصفائح التكتونية.
يعتبر المخزون المائي العميق جزءًا من ديناميكية القشرة الأرضية.
هل تخيلت يوماً وجود محيط ضخم يقع على عمق مئات الكيلومترات تحت أقدامنا؟ هذا ليس مشهداً من رواية خيال علمي، بل نتيجة أبحاث علمية جديدة تفتح الباب أمام إعادة نظر شاملة في الطريقة التي ندرك بها كوكبنا الأزرق من الداخل، وليس من الخارج فقط. يبدو أن قلب الأرض أكثر غموضاً مما اعتقدنا، فخلف الطبقات الصخرية ومساحات القشرة القاسية، يكمن سر قد يغيّر مفاهيمنا الجيولوجية الراسخة.
في الأعوام الأخيرة، تحمّس علماء الجيولوجيا لإمكانية وجود مياه بكميات هائلة، ليس في بحار سطحية أو محيطات جلية، بل محبوسة فعلياً في أعماق وشاح الأرض، تحديداً في ما يسمّى "منطقة الانتقال" الواقعة ما بين 410 و660 كيلومتراً تحت السطح. ما دفع النقاش قدماً هو اكتشاف فريقين علميين ـ أحدهما في البرازيل والآخر في بوتسوانا ـ لمعادن فريدة نادرة تُعرف باسم "رينجووديت"، قادرة على احتجاز الماء في تركيبها البنيوي على هيئة أيونات الهيدروكسيد وتحت ضغط بالغ الارتفاع. وبربط هذا الاكتشاف بصيحات الأدب، تذكَّر البعض أسطورة جول فيرن عن "رحلة إلى مركز الأرض" وكأن الخيال العلمي يطل من نافذة الواقع.
حلقة الماء المدفونة في أعماق وشاح الأرض
هذه الاكتشافات المتتالية لمعدن الرينجووديت في أعماق مختلفة حول الكوكب أظهرت أن منطقة الانتقال ليست مجرّد طبقة صخرية صلبة؛ بل قد تحتوي على كمّيات ماء تساوي ـ وربما تفوق ـ ما تختزنه كل محيطات العالم على سطح الأرض مجتمعة، لكنها محصورة ضمن بلورات معدنية. وبعبارة أخرى، نحن لا نتحدث هنا عن ماء سائل أو جليد كما اعتدنا رؤيته، وإنما عن جزيئات ماء مثبتة داخل تركيبة معدنية معينة بفعل الضغط والحرارة الهائلين. هذا الربط يعطي تصوراً جديداً لدورة المياه العميقة ونشاط الصفائح التكتونية ويعيد بناء خريطة جيولوجيا الأرض من الداخل.
ومن اللافت أن اكتشاف حجر الرينجووديت في البرازيل عام 2009 بوساطة فريق بقيادة البروفيسور غراهام بيرسون ـ ثم اكتشاف عينة مماثلة لاحقاً في بوتسوانا وتحليلها تحت إشراف العالمة تينغ تينغ جو ـ قدما سوياً دعماً استثنائياً لفرضية وجود هذه "المخازن المائية" العميقة. وقد نُشرت النتائج العلمية في دورية Nature، لتكون دليلاً قوياً على أن مياه الأرض ليست محصورة في سطحها فقط بل تمتد عميقاً في طبقاتها الداخلية. وهنا يكتسب الحديث عن منشأ المياه الأرضية وجوهر دورة الماء بعداً جديداً كلياً.
منشأ الماء ودوره العميق في حركة الأرض
انطلاقاً من هذا الاكتشاف، بدأ الباحثون يطرحون أسئلة جوهرية: من أين أتت كل هذه المياه العميقة؟ هل هي بقايا قديمة منذ تكوّن الأرض، أم لعبت دوراً في هجرة الصفائح القارية عبر ملايين السنين؟ تشير تحليلات العلماء إلى أن هذا الماء المدفون يعد جزءاً محورياً في حركة الصفائح التكتونية، إذ يمكن أن يزيح الصخور ويؤثر على البراكين والزلازل والنشاط المانع للتصحر. كما أنه قد يفسر سبب توازن الماء بين سطح الأرض وأعماقها ويربط بين العمليات السطحية والعميقة على حد سواء.
وبالعودة إلى تصريحات الباحثة تينغ تينغ جو، نجد أنها ترى في هذه "المحيطات الباطنة" الحلقة الغائبة في الدورة المائية الكبرى، ما يجعل كوكبنا حافظاً لتوازنه البيئي وكتلته عبر الزمن الجيولوجي. يشاركها الرأي البروفيسور بيرسون، الذي يعتقد أن هذا المخزون المائي يلعب دوراً جوهرياً في ديناميكية القشرة الأرضية وعمل الصفائح، الأمر الذي يدفع العلماء لإعادة رسم خريطة فهمهم لبنية الأرض ومصيرها المستقبلي.
والمدهش هنا أن هذا الاكتشاف يفتح الباب أمام إعادة النظر في الاحتمالات الجيولوجية للأرض ـ وربما للكواكب الأخرى أيضاً ـ إذ قد يتبين في المستقبل أن وجود الوسط المائي العميق هو عنصر حاسم في جعل الكوكب قابلاً للحياة ومصدراً للتنوع الطبيعي الفريد الذي نعرفه.
آفاق جديدة… واقتراحات بحثية دقيقة
هذه النتائج العلمية الثورية تثير بطبيعة الحال العديد من التساؤلات. من الضروري في التغطية الصحفية لمثل هذا الموضوع اسـتخـدام مصطلحات دقيقة مثل "منطقة الانتقال، رينجووديت، تكتونية الصفائح، الهيدروكسيد، الدورة المائية العميقة" وغيرها لكي يظل الحديث مترابطاً ومركزياً حول لب الخبر. كما يجدر بنا التركيز على ضرورة تبسيط التعبير حين نقارن بين المياه السطحية وتلك المدفونة في المعادن لتقريب الصورة للقارئ، أو أن نستبدل عبارة "محيطات باطنة" بجملة "مخازن المياه في عمق وشاح الأرض" في بعض المواضع لتعزيز وضوح المقال.
وهكذا، يظل قلب كوكبنا حاملاً أسراره التي تكشف القليل منها يوماً بعد يوم، داعياً العلماء إلى مواصلة البحث وتحدي الفرضيات القديمة بروح الاكتشاف والإبداع. وربما تكون أفضل إضافة لخاتمة الموضوع جملة تربط فضول الإنسان الدائم بقدرة العلم على إعادة تعريف المستحيل، فكأن الأرض نفسها ما تزال تروي لجيلنا قصصاً مبتكرة في كل عمق جديد يُكتشف.