اكتشاف مذهل: الماء في كل مكان على القمر – هل هي خطوة جديدة نحو إقامة وجود بشري في الفضاء!

3 د
اكتشاف الماء على سطح القمر يغير مفاهيمنا لاستكشاف الفضاء.
التقنية الجديدة تعتمد على تحليل الأشعة تحت الحمراء لتحديد الماء.
نُجد المياه في الصخور القمرية، مما يتيح فرصاً لاستخدامها مستقبلاً.
ترى الوكالات أن القمر قد يصبح قاعدة دائمة بمصادر محلية.
الهيدروكسيل ناتج من تفاعل الرياح الشمسية مع سطح القمر يوفر ماءً إضافيًا.
تخيّل معي أننا كنا نبحث طوال الوقت في المكان الخطأ عن الماء على سطح القمر! يبدو الأمر مدهشاً، أليس كذلك؟ فقد أعلن العلماء مؤخراً عن اكتشاف مفاجئ قد يغير كل خططنا لاستكشاف الفضاء، بعد تأكيدهم وجود الماء في كافة أنحاء سطح القمر، وليس فقط في المناطق القطبية المُظللة الباردة كما كان الاعتقاد السائد سابقاً.
هذا الاكتشاف تحقق بواسطة أداة علمية متقدمة تُعرف بـ "خارطة معادن القمر" (Moon Mineralogy Mapper أو M3)، التي طوّرتها وكالة ناسا واستخدمتها في مهمة "شاندرايان-1" الهندية بين عامَي 2008 و2009. تعتمد هذه التقنية على تحليل الأشعة تحت الحمراء المنعكسة عن سطح القمر لتحديد الجزيئات، لتكشف تحديداً عن دلائل لكميات من المياه وجزيئات الهيدروكسيل المنتشرة في كل مكان تقريباً، بما فيها المناطق المعرضة للشمس باستمرار، والتي كانت تُعتبر سابقاً خالية تماماً من أي ماء.
من الناحية الجيولوجية، تبيّن للعلماء وجود هذه المياه ضمن معادن معينة، وخاصّة في المناطق المرتفعة التي تحتوي صخور الأنورثوسيت (anorthosite)، وهي صخور شائعة جداً على القمر. يشير الخبير روجر كلارك من معهد علوم الكواكب، أن هذه المياه ليست بالضرورة سائله لكنها موجودة داخل معادن القمر، مما يوفر لنا فرصاً أفضل وأوسع لاستخدامها مستقبلاً، ليست مقتصرة فقط على المناطق القطبية الثلجية.
وهذا الكشف يقود بالتأكيد إلى تخيل مستقبل عملي أكثر لوجود البشرية فوق القمر. فبدلاً من اللجوء الدائم إلى السفر الشاق والمكلف نحو المناطق القطبية بحثاً عن جليد الماء، يمكن لرواد الفضاء ببساطة استخراج الماء من الصخور المنتشرة في جميع أنحاء القمر. ورغم أن هذه العملية تتطلب طاقة لتسخين الصخور واستخراج الماء، إلا أن العلماء يرونها فرصة رائعة لتوسيع نطاق مهامنا الفضائية وإطالة مُدد إقامتنا هناك مستقبلاً بأقل تكلفة ومخاطر.
ليس هذا فحسب، بل اكتشف الباحثون كذلك جزيئات الهيدروكسيل (مركبات من الهيدروجين والأكسجين) التي تنتج عندما تضرب أشعة الشمس المشحونة -المعروفة بالرياح الشمسية- سطح القمر، فتمتزج هذه الجسيمات مع الأوكسجين القمري مكونة طبقة رقيقة من الهيدروكسيل الذي يوفر بدوره إمكانية أخرى للحصول على الماء.
تخيّل الأمر كما لو أنك تسير في صحراء قاحلة، ولكنك فجأة تكتشف جدولاً مائياً مختبئاً في الصخور—هذا بالتحديد هو التصور الذي رسمته نتائج هذا الاكتشاف. فالقمر لم يعد المكان الجاف الذي تصورناه، بل أصبح مصدراً محتملاً لقواعد دائمة ووجود آمن ومنخفض التكلفة للبشر في الفضاء.
وفي ضوء هذه النتائج الجديدة، بدأت الوكالات الفضائية مثل ناسا ونظيراتها الدولية بالتفكير جدياً في إقامة قواعد دائمة ذات اكتفاء ذاتي تعتمد على الموارد المحلية الموجودة على القمر مباشرةً، بدلاً من إرسال الإمدادات من الأرض بشكل مستمر. وإذا تم تطوير تقنيات اقتصادية لهذا الغرض، فإن مستقبل استكشاف البشر للفضاء قد يصبح أكثر سهولة وأماناً مما تخيلناه سابقاً.
في النهاية، ربما يعلّمنا هذا الاكتشاف المذهل درساً أعمق: علينا ألا نقلل أبداً من قدرة العلم والاستكشاف على تغيير المفاهيم وخططنا المستقبلية. إذ إن موارد الحياة قد تُوجد أحياناً في الأماكن التي تبدو لنا أكثر جفافاً وأقل ترحيباً. ومن يدري؟ ربما يحمل لنا المستقبل مفاجآت أخرى على سطح القمر أو كواكب غيره، تفتح لنا آفاقًا جديدة نحو كواكب وأماكن لم نتصور أبداً قدرتنا على الذهاب إليها.