اكتشاف مذهل في بافاريا: أول أحفورة لـ ‘بليروسوروس’ صغير تعيد رسم تاريخ الديناصورات البحرية

3 د
اكتشاف أول أحفورة لصغير "بليروسوروس" يعيد كتابة تاريخ الزواحف البحرية القديمة.
وجدت الأحفورة في طبقات صخور فورمشايم بألمانيا، وتعود لعصر الجوراسي المتأخر.
تكشف الأحفورة تفاصيل عن نمو "بليروسوروس" علاقة بجنس "أكروسوروس" المثير للجدل.
يساعد الاكتشاف في فهم تطور الزواحف البحرية ويؤثر على تصنيفاتها التاريخية.
بيئة بحيرات سولنفين ساهمت في حفظ الأحفورة وساعدت في فحص تفاصيلها الدقيقة.
في مشهد فريد من نوعه، أعلن علماء الحفريات في ألمانيا عن اكتشاف أول عينة معروفة لصغير زاحف بحري منقرض يُدعى «بليروسوروس»، ليعيدوا رسم تاريخ إحدى المجموعات الغامضة التي عاشت في عصور الديناصورات ويغيروا كثيرًا من أفكارنا التقليدية عن تطور الزواحف البحرية في حقبة الجوراسي المتأخر.
لطالما أثار البليروسوروس، وهو كائن بحري طويل الجسم من فصيلة الرينوكوفاليات، فضول العلماء بسبب ندرة ما نعرفه عن مراحل نموه الأولى. هنا، في طبقات صخور فورمشايم قرب مدينة زولنفين الألمانية، وجد فريق دولي الحفرية الصغيرة التي تؤرخ لعصرٍ كان قبل 150 مليون سنة، لتملأ فجوة كبيرة في فهمنا لتطور الكائنات البحرية القديمة وتناقش تصنيفاتها التاريخية.
رينوكوفاليات بحُلة جديدة: من كان يعيش في بحار الجوراسي؟
عندما نتحدث عن الرينوكوفاليات، فنحن أمام فصيلة زواحف ما قبل التاريخ يقربها العلماء اليوم من السحالي الأوروبية المسماة «تواتارا». ظلت أنواع البليروسوروس تتصدر مشهد الحفريات التي وجدت في فرنسا وألمانيا، خاصة في أرخبيل سولنفين الشهير، إذ عُرفت بأجسامها الرفيعة وجماجمها الطويلة وأطرافها الأمامية الصغيرة للغاية. ولفترة طويلة، عرف الباحثون نوعين فقط من الجنس هما: goldfussi وginsburgi. الفارق الأساسي بينهما تمثل في عدد الفقرات وقوة عظام الحوض.
ورغم وفرة العينات التي عثر عليها على مر السنين، كانت هناك حلقة مفقودة: أحفورة حديثة السن. فمن بين أكثر من 15 حفرية موثقة، لم تكن هناك عينة واحدة لصغير البليروسوروس. وهذا ما يجعل الكشف الجديد في بافاريا نقطة تحول في تاريخ علم الحفريات القديمة. إذ تقدم لنا هذه الأحفورة الأدلة الأولى على هيئة وشكل كائن البليروسوروس في أيامه الأولى. استنادًا إلى صغيرة الأسنان، وتكوين العظام الذي لم يكتمل بعد، وصِغر حجم الفقرات، أكد العلماء أن العينة تعود لما بعد مرحلة الفقس بفترة وجيزة.
وبالانتقال من فحص التكوين البنيوي للحفريات نحو فحص التصنيف العلمي، يتضح لنا أن هذا الاكتشاف أجبر العلماء على إعادة التفكير حول تصنيف بعض المجموعات القديمة، مثل جنس «أكروسوروس». من الجدير بالذكر أنه لطالما ظل الجدل قائمًا حول ما إذا كان أكروسوروس نوعًا مستقلاً بالفعل أم فقط مرحلة عمرية مبكرة للبليروسوروس.
وهذه المعضلة تعود إلى أن أغلب حفريات أكروسوروس بدت صغيرة وغير ناضجة. وبينما حار العلماء سابقًا في إيجاد دليل قاطع لحسم هوية أكروسوروس، جاء اكتشاف صغير البليروسوروس ليكشف تشابهًا مذهلًا في التفاصيل التشريحية مع عينات أكروسوروس الأقدم، مما يدعم فكرة أن أكروسوروس ربما كان ببساطة صغير البليروسوروس وليس جنسًا منفصلًا. هذه النتيجة تؤكد أهمية أخذ «التطور العمري» أو الأنطجة في الاعتبار دائمًا عند تصنيف الزواحف والأسلاف المنقرضة، حتى لا نخلط بين الفروق العمرية والاختلافات الحقيقية بين الأنواع أو الأجناس.
علاقة هذا الاكتشاف بندرة الأحافير الصغيرة، تكمن في أن الهياكل العظمية لصغار البليروسوروس كانت ضعيفة وهشة جدًا، ما يجعلها أسرع في التحلل وأقل بقاءً في السجل الأحفوري مقارنة بالكبار. بيئة بحيرات سولنفين الراكدة قليلة الأكسجين ساهمت في حفظ هذا الكنز بـوضوح نادر، ومكَّنت فحوص الأشعة فوق البنفسجية العلماء من ملاحظة التشريحات الدقيقة لصغير الرينوكوفالي في أدق تفاصيلها.
وهكذا، يعكس هذا الكشف العلمي الجديد قفزة مهمة في معرفة كيفية نشوء وتطور البليروسوروسات ضمن منظومة الحياة القديمة. بفضل هذه الأحفورة، نشهد للمرة الأولى صورة كاملة لتسلسل النمو الخاص بهذه الزواحف البحرية، ونستطيع أن نعيد تفسير الكثير من المسميات والاختلافات التي لاحقت علم تصنيف الأحياء المنقرضة لعقود طويلة مضت.
في نهاية المطاف، يمكن للقارئ أن يلمس حجم الأثر الذي يحدثه اكتشاف حفرية واحدة صغيرة في إعادة كتابة تاريخ كامل لحيوان منقرض. فمن المهم دومًا أن نعيد النظر في المسميات العلمية القديمة عندما تتوفر لدينا أدلة جديدة أقوى أو أوضح، وقد يكون من الأنسب أحيانًا استخدام تعبيرات مثل "حفرية غير ناضجة" بدلاً من "نوع مختلف" حين يكون الدليل ميالًا لذلك. كما يسهل على القارئ الاستمتاع بالموضوع أكثر لو أضفنا جملًا تربط بين حقب الجوراسي وتنوع البيئات البحرية القديمة، بحيث تجعل القصة أكثر حضورًا وارتباطًا بالحاضر.