الأرض تخفي أسراراً… أنفاق عملاقة لا يعرف أحد مصدرها!

4 د
اكتشف العلماء شبكة أنفاق عملاقة تحت الأرض في البرازيل والأرجنتين.
تعود هذه الأنفاق إلى حيوانات منقرضة مثل الكسلان البري العملاق.
لوحظت خدوش مخالب ضخمة على جدران الأنفاق.
تشير أدلة إلى أن البشر الأوائل لاحقوا هذه الحيوانات في العصور الجليدية.
تشكلت الأنفاق كبيوت جماعية أو شبكة ممرات على مدى الأجيال.
في مشهد يعيد رسم ملامح التاريخ الطبيعي لأمريكا الجنوبية، اكتشف العلماء شبكة هائلة من الأنفاق القديمة تمتد عميقاً تحت سطح أرض البرازيل والأرجنتين. تبرز هذه الأنفاق بحجمها الضخم وتعقيدها المعماري، ما جعل الخبراء يقفون عند سؤال جوهري: من بناها؟ الإجابة الأولى لم تكن البشر ولا حتى القوى الطبيعية التي نعرفها.
لقد قاد هذا الاكتشاف الجيولوجي البروفيسور هاينريش فرانك، الذي فوجئ بطول ومساحة هذه الممرات الأرضية. فبعض الأنفاق يزيد طوله عن ستمئة متر وارتفاعه يتجاوز المتر ونصف المتر، ويغطي منطقة ريو غراندي دو سول البرازيلية حيث تم رصد أكثر من ألف وخمسمائة نفق عتيق أطلق عليها العلماء اسم "الحفريات القديمة". هذا يوجّهنا للتساؤل عن الكائنات القادرة على القيام بهذا الجهد الضخم بلا أدوات أو تقنيات بشرية.
علامات “أظافر” عملاقة تروي الحكاية
عند التمعّن في جدران هذه الأنفاق، لاحظ الباحثون وجود خدوش متوازية تبدو وكأنها أثار مخالب ضخمة. كانت هذه العلامات الدليل الأول على أن هذه الإنشاءات ليست نتيجة إذابة صخرية أو تحولات جيولوجية أو فعل المجاري المائية، بل نتيجة عمل حيوانات عملاقة منقرضة عاشت في العصر الجليدي، ويخصّ بالذكر هنا الكسلان البري العملاق – حيوان كان بحجم الفيل ومسلحاً بأذرع قوية ومخالب حادة. وبحسب دراسة حديثة نُشرت في مجلة Science Advances، من المحتمل أن هذه الأنفاق استخدمت كبيوت جماعية أو ملاجئ أو حتى كممرات هروب على مدى عدة أجيال من تلك الكائنات الضخمة.
انطلاقاً من آثار “الأظافر”، يتحول الحديث إلى دلالات حركة هذه الحيوانات ودوافعها لتشييد شبكات ضخمة من السراديب الطينية، علماً أن طبيعة هندسة هذه الأنفاق لا تشبه أياً من الآثار التي خلفتها المجتمعات البشرية القديمة أو الأنظمة الطبيعية المعروفة.
يتضح هنا كيف أن تداخل الدلائل الحفرية مع الجيولوجيا يقودنا إلى صورة جديدة عن الحياة القديمة وطريقة عيش هذه الكائنات.
الإنسان في مواجهة الكسلان: آثار أقدام تروي المواجهة
هذا، وتزداد القصة إثارة مع اكتشاف باحثين في صحراء نيو مكسيكو بأمريكا الشمالية لآثار أقدام حجرية تعود للإنسان والحيوان العملاق معاً، يبدو فيها وكأن الإنسان كان يلاحق الكسلان العملاق ويترصد حركته. البعض رجّح أن الأمر كان يتم في إطار الصيد وترويض هذه الكائنات، خاصة وأن بعض التحركات الدائرية والانفعالية في آثار الكسلان تدل على دفاعه ومحاولته الهرب أو المقاومة. وهذا ما يؤكده الباحثون بقولهم إن هذه الكائنات رغم ضخامتها كانت هدفًا بشريًا للطعام والبقاء.
وهنا يظهر لنا تصور جديد لحياة البشر الأوائل، حيث لم يكونوا مجرد جامعي ثمار أو صيادين بالصدفة، بل اندفعوا نحو مواجهة وحوش عملاقة وربما كانوا يستغلون تلك الأنفاق هربًا أو تخفياً أيضاً.
ارتباط آثار الأقدام بالتاريخ الجيولوجي للأنفاق يسلط الضوء على مستوى التفاعل والصراع بين الإنسان والمخلوقات الضخمة في عصور ما قبل التاريخ.
هندسة الطبيعة على يد حيوانات منقرضة
من اللافت أن هذا الكم الكبير من الأنفاق لم يكن مألوفا لدى علماء الحفريات أو الجيولوجيا من قبل، كونها تفوق حجم وأسلوب أي حيوان حديث قادر على الحفر. ويقول العلماء إن الأمر يتطلب تفسيرًا جديدًا، خاصة إذا ما علمنا أن البعض أخطأ سابقًا فظن أن هذه الممرات بقايا أنفاق مناجم أو كهوف طبيعية، لكن الدراسات التحليلية للجدران أثبتت غياب أي علامات للأدوات أو تقنيات بشرية.
من خلال الجمع بين التحليل البيولوجي ودراسة آثار المخالب والتحقيقات الجيولوجية، باتت القناعة أقوى بأن هذه "الهندسة الحيوانية العملاقة" غير مسبوقة على سطح الأرض، وأنها شكلت عاملاً بيئياً فاعلاً في تشكيل التضاريس والتوازن البيئي لعصور ما قبل التاريخ.
هذه القراءة الجديدة تجعلنا نعيد النظر في الأدوار البيئية لكائناتٍ ظننا أنها مجرد حيوانات ضخمة تركت وراءها الهياكل العظمية، ليظهر لنا أنها كانت مهندسة بيئية عظيمة أثرت في النظام الحيوي والإنساني آنذاك.
ختاماً، يبدو أن الكشف عن شبكة الأنفاق العملاقة تحت أرض البرازيل والأرجنتين أعاد للواجهة أسئلة كثيرة عن التاريخ الطبيعي للمنطقة، وكيفية تفاعل الإنسان مع الحيوانات الضخمة المنقرضة. فبفضل هذا المزيج من الأدلة الجيولوجية والأثرية، بدأت تتضح للمختصين جوانب منسوجة بخيوط المغامرة والتكيف والهندسة البيئية التي ميّزت عصور الجليد. وما زالت المفاجآت تنتظر من ينقّب أكثر في أعماق الأرض، لعله يجد شبكة أخرى تروي لنا قصة أكبر مما نتخيّل عن علاقة الإنسان والبيئة والحيوان العملاق في يومٍ ما.