ذكاء اصطناعي

الأرض تفقد توازنها؟ ليزر حلقي يعلن الحقيقة المخفية منذ عقود!

محمد كمال
محمد كمال

3 د

استخدم فريق ألماني تقنية الليزر الحلقي لقياس اهتزازات محور الأرض بدقة عالية.

التقنية الجديدة تمكن العلماء من مراقبة تمايلات الأرض اللحظية بدقة زمنية تصل إلى ساعة.

الليزر الحلقي يفوق التلسكوبات التقليدية بحساسية واستقلالية عالية.

يسهم الإنجاز في تحسين الخرائط ومعايرة أجهزة الملاحة ودراسة تكتونية الصفائح.

تفتح الأبحاث آفاقًا لاختبار نظريات النسبية لأينشتاين من سطح الأرض بشكل أدق.

تخيل أن الأرض ليست مجرد كرة تدور بثبات حول نفسها، بل كائن حي له أنفاس واهتزازات خفية لا تراها بالعين المجردة. مؤخرًا، تمكن فريق بحثي ألماني من رصد هذه الاهتزازات الدقيقة لمحور دوران الأرض باستخدام تقنية الليزر الحلقي، في إنجاز يفتح الباب أمام فهم جديد لأسرار كوكبنا وربما حتى اختبار نظريات أينشتاين من على سطح الأرض ذاتها.

البداية كانت من مرصد جيوديتيك في ولاية بافاريا الألمانية، حيث جرى تثبيت جيروسكوب ليزري متطور بعمق الأرض. هذا الجهاز الجديد – والذي يسمى "الليزر الحلقي" – يهتم بقياس أدق التغيرات في دورانات الأجسام، ويستطيع رصد حركات دقيقة للغاية لطريقة اهتزاز الأرض حول محورها. وبدلًا من الاعتماد على شبكات تلسكوبات راديوية ضخمة ومتنوعة المواقع حول العالم، أصبح بالإمكان مراقبة تمايلات الأرض باستخدام جهاز صغير نسبياً، لكنه بالغ الحساسية لدرجة يصعب تصورها.


كيف يهتز محور الأرض ولماذا؟

للوهلة الأولى، تبدو الأرض ساكنة تدور بسلاسة. لكن الحقيقة أن محور الأرض – الخط الوهمي حوله تدور الكوكب – ليس ثابتًا أبدًا. هناك نوع من "البالية الكونية" الدائم الذي يحدث بسبب مجموعة من القوى. أضخم هذه الحركات يُسمى "السبْق" (أو التقدم المحوري) وهو انزياح المحور بشكل مخروطي في السماء يمتد دورته لحوالي 26 ألف سنة، تُسببه انتفاخ الأرض عند خط الاستواء. إضافة إلى ذلك هناك "الترنح" أو النيوتاسيون، وهو حركة أصغر ناتجة عن شدّ جاذبيات القمر والشمس، فتضيف إلى السبْق طبقات من الرقص الاهتزازي الفوضوي تتغير على مدى شهور وسنوات وساعات وحتى دقائق.

وهذا يُعيدنا إلى أهمية الرصد الليزري الجديد، إذ أصبح بمقدور العلماء الآن تتبُع هذه التمايلات اللحظية بدقة زمنية لا تتجاوز الساعة الواحدة، خلافًا للطريقة القديمة (VLBI) التي كانت تعطي بيانات يومية، فتمنحنا رؤية غير مسبوقة لتفاصيل رقص الأرض في الفضاء.


عندما يتفوّق الليزر على التلسكوبات العملاقة

الميزة الثورية في تجربة بافاريا تكمن في استخدام الليزر الحلقي كحساس قصوري مستقل تمامًا عن الإشارات الخارجية. يعمل الجهاز عبر تدوير شعاعين ضوئيين في اتجاهين متعاكسين داخل مسار مغلق، ثم يقيس التغير في تداخل النبضات الناتجة مع أي حركة دوران، حتى وإن كانت متناهية الصغر. بفضل التصميم الفائق الدقة في الهندسة والبصريات، نجح الفريق في تحقيق قياسات تتخطى أي قدرة لجيروسكوبات تقليدية أو حتى أنظمة ليزرية سابقة، الأمر الذي منحهم رصداً أدق بمئة مرة مما كان ممكنًا قبلاً.

ترتبط هذه القفزة العلمية بحاجة البشرية الدائمة لفهم موقع الأرض وميلانها وتحركاتها حتى اليوم، سواء في رسم خرائط دقيقة، أو معايرة أجهزة الملاحة الفضائية، أو دراسة تكتونية الصفائح الأرضية وتغيرات مستوى البحار.


آفاق جديدة لاختبار نسبية أينشتاين

ولأن كل اكتشاف له تبعات تتجاوز حدود اختصاصه، فإن تطور الحساسية الليزرية قد يمكّن العلماء قريبًا من رصد آثار نسبية دقيقة للغاية مثل تأثير لينز-ثيرينغ (Lense-Thirring effect) الذي يشير إلى انحناءات الزمكان حول الأرض بسبب دورانها، وهي نظرية ضمن العموم النسبية لأينشتاين أثبتتها مسبقًا أقمار صناعية مكلفة. أما اليوم، فقد نقترب من اختبارها مباشرة من سطح الأرض بأجهزة أكثر دقة وكفاءة وأقل تكلفة.

ذو صلة

بذلك، يطل عصر جديد يمكن خلاله دمج تقنيات الاستشعار الكمومي مع نماذج الحركة الكوكبية، لنعرف المزيد عن تفاعل النوى والمحيطات والغلاف الجوي مع دوران الأرض، وربما لتحسين توجيه المركبات الفضائية والصواريخ العابرة للقارات في المستقبل القريب.

في النهاية، يكشف لنا هذا الإنجاز الألماني أن أسرار الأرض ليست محصورة في أعماق الفضاء فقط، بل في أعماق تقنياتنا الحديثة وأقبية مختبراتنا أيضاً. إذا استمرت هذه المشاريع، فقد نشهد مستقبلاً قدرة الإنسان على مراقبة كوكبه بأدق تفاصيله، ما يمهد لمسارات جديدة في فهم الكواكب والكون من حولنا.

ذو صلة