الأقمشة الصناعية وعلى رأسها البوليستر: خطر خفي يهدد خصوبتك وصحتك الإنجابية!

3 د
تحتوي أقمشة البوليستر على مادة بولي إيثيلين تيريفثاليت المعروفة بتأثيرها السلبي على الخصوبة.
تُظْهِر الدراسات الحديثة وجود مركبات ضارة بالخصوبة في الملابس المقاومة للماء.
تؤكد الأبحاث الحديثة ارتباط PFAS بتقليل الخصوبة النسائية بنسبة تصل إلى 40%.
تُظهر الدراسات أن الفثالات ترتبط بمشاكل الحمل مثل الإجهاض المتكرر.
التحول لاستخدام أقمشة طبيعية كالقماش والكتان يُعتبر خطوة جيدة لتحسين الصحة العامة.
لطالما كانت الأقمشة التي نرتديها جزءًا لا يتجزأ من حياتنا اليومية، نختار ألوانها وخاماتها بعناية فائقة، ولكن هل سبق لك أن تساءلت عما تحويه بعض هذه الأنسجة من مواد كيميائية قد لا تكون صحية؟ وهل يمكن لأقمشة شائعة مثل "البوليستر" أن تؤثر سلبًا على الخصوبة؟
في الواقع، القماش المحبوك بشكل محكم مثل البوليستر يشتهر باحتوائه على مركب كيميائي معروف باسم "بولي إيثيلين تيريفثاليت" (Polyethylene Terephthalate)، وهو عبارة عن بوليمر بلاستيكي شائع الاستخدام ويدخل في صناعة الكثير من المنتجات اليومية. قبل ثلاثة عقود، كشفت دراسة استقصائية أجريت عام 1993 اختلافًا واضحًا في جودة الحيوانات المنوية لدى الكلاب التي ارتدت ملابس من البوليستر مقارنةً بتلك التي لبست القطن. فمجموعة الكلاب التي ارتدت أقمشة البوليستر شهدت انخفاضًا كبيرًا في عدد الحيوانات المنوية، وزيادة واضحة في التشوهات المنوية.
صحيح أن هذه دراسة قديمة بعض الشيء، وتم تنفيذها على الحيوانات فقط، لكن الأبحاث الحديثة تعزز فكرة أن بعض المواد الموجودة داخل هذه الأقمشة قد تكون ذات تأثير ضار على صحة الإنسان وخصوبته. ويشير الخبراء، ومن بينهم الدكتورة "أودري جاسكنز"، وهي أستاذة في الصحة البيئية في جامعة إموري الأمريكية، إلى أن العديد من الأبحاث الحديثة ركزت على المواد الكيميائية بعينها، وليس على الأقمشة نفسها، عبر فحص مستويات هذه المركبات في الدم أو البول.
ومن أبرز هذه المواد الكيميائية مجموعة واسعة تسمى اختصارًا "PFAS" أو "بيرفلورو ألكيل"، وهي مركبات ثابتة يصعب على الجسم التخلص منها، وتتواجد بكثرة في الملابس المقاومة للماء مثل الجواكيت ومعدات المطر. وتُظهر بحوث موثوقة أن هذه المواد تؤثر بشكل واضح على الخصوبة النسائية؛ إذ خفضت معدلات الحمل لدى النساء اللاتي لديهن نسب مرتفعة من هذه المواد في دمهن بنسبة تصل إلى حوالي 40 بالمائة. إضافةً إلى ذلك، فإن الأبحاث ربطت بين وجود هذه المركبات والإصابة بأمراض تضعف الخصوبة، مثل متلازمة تكيس المبايض (PCOS) وبطانة الرحم المهاجرة (Endometriosis).
ولا تقتصر المواد الكيميائية المشكوك في تأثيرها على الخصوبة على مجموعة PFAS وحدها؛ بل وُجد أيضًا أن مادة "بيسفينول أي" المعروفة اختصارًا بـ BPA، والتي قد تدخل في صناعة الألبسة المرنة والمطاطية عند دمج البوليستر مع ألياف سبانديكس، ترتبط بزيادة في حدوث متلازمة تكيس المبايض، كما أكدته دراسة علمية حديثة صدرت نهاية عام 2022. ويضاف إلى ذلك مجموعة أخرى من المواد المثيرة للقلق والمعروفة باسم "الفثالات" أو "Phthalates"، وتُستخدم بشكل واسع في صناعة بعض الملابس الرياضية وقطع الأزياء التي نرتديها بشكل يومي، مثل حمالات الصدر الرياضية. وأثبتت عدة دراسات ارتباطًا واضحًا بين ارتفاع مستوى الفثالات وبين مشكلات الحمل مثل الإجهاض المتكرر وانخفاض معدلات الحمل.
ورغم أن الباحثين لم يتمكنوا بعد من تحديد مصدر التعرض الدقيق لهذه المواد الكيميائية بالنسبة لأغلب الناس، تشير الدكتورة جاسكنز إلى ضرورة الحد من التعرض للكيماويات قدر المستطاع؛ لا سيما إذا كانت الرغبة في الحمل قائمة. وتوضح أن الملابس رغم كونها ليس المصدر الرئيسي دائمًا لمواد مثل PFAS و BPA والفثالات (إذ تلعب مياه الشرب والأدوات المنزلية دورًا أكبر في التعرض)، فإن اتخاذ خطوات بسيطة مثل التقليل من أقمشة معينة واستبدالها بأقمشة أكثر طبيعية مثل القطن أو الكتان يعتبر بداية جيدة ومنطقية وشديدة السهولة.
صحيح أن الأدلة على خطورة الأقمشة الصناعية ليست مكتملة تمامًا إلى الآن، لكن الخطوة نحو ارتداء أقمشة صديقة للصحة والحذر في اختيار المواد التي تلامس بشرتنا لا تضر أبدًا. ففي النهاية، تغيير بسيط يمكنك السيطرة عليه قد يكون له انعكاسات إيجابية على صحتك العامة وقدرتك الإنجابية على المدى الطويل. وربما يجدر بنا جميعًا التفكير الجدي بالعودة تدريجيًا إلى الأنسجة الطبيعية، التي أثبتت السنوات سلامتها نسبيًا مقارنة بالمواد المبتكرة التي قد تخفي أخطارًا مجهولة لم تكشف البحوث العلمية عنها بالكامل بعد.