الانقراض لم يكن بسبب نيزك… عظام الديناصورات تروي قصة وباء قديم

3 د
البحث يكشف أن الأمراض المعدية، مثل التهاب العظم والنقي، هددت الديناصورات.
عظام الديناصورات من البرازيل تحمل علامات على إصابات قاتلة لم تُشفى.
البيئة الرطبة في العصر الطباشيري ساعدت في انتشار الجراثيم والفطريات بين الديناصورات.
التنوع في الإصابات يشير إلى احتمالية اختلاف الجراثيم أو الفيروسات المسببة للمرض.
تؤكد النتائج أن الأمراض المعدية كانت تهدد الديناصورات بجانب الكوارث الطبيعية.
تخيل للحظة أن الديناصورات العملاقة، التي لطالما سحرت الخيال بقوتها وسيطرتها، لم تكن محصنة من مخاطر صغيرة وغير مرئية. لطالما تصوّرنا حقبة الديناصورات وكأنها ملحمة للبقاء ضد المفترسات والزلازل والكوارث الطبيعية، إلا أن بحثاً حديثاً يسلّط الضوء على تهديد خفي آخر: الأمراض المعدية، وبالتحديد التهاب العظم والنقي، الذي قد يكون لعب دوراً خفياً في مصير هذه الكائنات المهيبة قبل ملايين السنين.
ورغم أن كثيرين يظنون أن فناء الديناصورات كان فقط بسبب اصطدام الكويكب العملاق، إلا أن الأدلة الجديدة تظهر أن الأمراض فتكت بها قبل ذلك بوقت طويل. ففي بحث موسع قام به فريق دولي بقيادة عالم الحفريات البرازيلي تيتو أوريليانو، تم تحليل بقايا عظام ستة من أضخم الديناصورات في البرازيل، تحديداً من نوع السوروبودا طويلة العنق، وتبين أنها تحمل آثاراً واضحة لإصابة قاتلة بالتهاب العظم والنقي.
عظام تحمل أسرار المرض
ما يجعل هذا الاكتشاف مدهشاً أن العظام التي درسوها — والتي تعود لحيوانات عاشت قبل 80 مليون عام — أظهرت جميعها علامات نموذجية على إصابة العظم بعدوى: تشوهات، وتآكلات، وانتفاخات سطحية، وكلها دون أي إشارة لوجود عملية شفاء أو تعافٍ، ما يعني أن الديناصورات ماتت والأعراض لا تزال فاعلة بجسدها. وهذا الربط بين العلامات المرضية وغياب علامات التعافي يشير بشكل غير مباشر إلى أن المرض كان سريعاً وقاتلاً.
وبالعودة لهذه المنطقة من البرازيل خلال العصر الطباشيري، نجد أنها كانت أرضاً شبه استوائية مليئة بالأنهار الهادئة والمستنقعات دائمة المياه. هذه الأماكن المثالية لانتشار الجراثيم والطفيليات والفطريات، التي تسببت على الأرجح في إصابات خطيرة للديناصورات الساكنة هناك. وهكذا تتضح الصلة بين البيئة الرطبة وتفشي المرض بين الحيوانات الضخمة.
تنوع العدوى وتأثيرها
ما يزيد الصورة وضوحاً أن الدراسات كشفت عن اختلافات في مسار تطور الإصابات بين العظام المكتشفة. فالبعض ظهرت فيه تشوهات فقط على الجهة الداخلية للعظم، بينما عظام أخرى أبدت انتفاخات دائرية خارجية أكثر تقدماً. هذه الفروق في طبيعة التشوهات لا تعكس فقط خطورة العدوى، بل تشير أيضاً إلى احتمال اختلاف استجابة الديناصورات أو تعدد أنواع الكائنات الممرضة. وربما كانت بعض الديناصورات أكثر عرضة، أو أن المرض تطور بشكل متباين بسبب اختلاف الجراثيم أو الفيروسات أو حتى الطفيليات التي تسببت به.
وهذا يقودنا إلى حقيقة مهمة: أن شراسة المرض المعدي يمكن أن تهدد أنواعاً عريقة وبنية فائقة القوة. إذ تشير الأدلة إلى أن العدوى لم تكن نادرة أو عرضية، بل من الواضح أنها أصابت مجموعة كبيرة في وقت متقارب، مما يدعم فرضية وجود وباء أو تفشٍ كبير في المنطقة حينها.
الأمراض: العدو الخفي لملوك الأرض القدماء
هذه النتائج تفتح الباب أمام إعادة قراءة تاريخ الديناصورات من منظور جديد، فبدلاً من التركيز فقط على الاصطدامات الكبرى أو الكوارث البيئية، يبرز اليوم العامل الصحي كتهديد هام. الأمراض المعدية، مثل التهاب العظم والنقي الذي وجد اليوم عند الثدييات والطيور والزواحف، ربما كانت أحد عناصر توازن الطبيعة — تقضي حتى على أكثر المخلوقات ضخامة وسطوة. فالخطر لم يكن مرئياً دائماً، وإنما كان يكمن في الكائنات المجهرية التي سكنت المياه والطمي وظلت كامنة في عظام عصور كاملة.
ويعيد هذا الاكتشاف إلى الأذهان التفاعل العميق بين العوامل البيئية، مثل الرطوبة وكثافة المسطحات المائية، وانتشار الأمراض. لعل الدروس التي نستخلصها تمتد حتى لعصرنا الحديث، عندما نرى كيف أن الأوبئة لا تزال قادرة على تغيير مصير الكائنات، كبيرة أو صغيرة.
في النهاية، نكتشف مجدداً أن قصة الديناصورات لم تكن يوماً رحلة سهلة أو خالية من التحديات. فبجانب مخاطر الحيوانات المفترسة والكوارث الطبيعية، كان هناك عدو مجهري يصارعها من داخلها، يسلب قوتها رويداً رويداً حتى اللحظة الأخيرة. وربما، لو تسنّى لنا رؤية الأرض وعمالقتها قبل ملايين السنين، لوجدنا أن سر بقائهم لم يكن في الحجم فقط، بل في قدرتهم على مقاومة الأعداء غير المرئيين — تلك الحكاية التي تحفظها الصخور والعظام، وتكشفها لنا علوم الآثار يوماً بعد يوم.