ذكاء اصطناعي

البشر يذبحون الكوكب: 60% من أراضي الأرض لم تعد صالحة للحياة!

محمد كمال
محمد كمال

3 د

كشفت دراسة علمية أن 60% من أراضي العالم خرجت عن الحدود البيئية الآمنة.

الاستخدام البشري للكتلة الحيوية النباتية يؤثر سلبًا على استقرار النظم البيئية.

التحليل يستند إلى إطار "حدود الكوكب" لضمان مستقبل بشري مستدام.

التدهور برز تاريخياً منذ 1600 وارتبط بالثورة الصناعية والأنشطة البشرية.

دعا الباحثون إلى تكامل حماية الغابات مع جهود مكافحة تغير المناخ.

هل تخيلت يوماً أن معظم اليابسة التي نعيش عليها باتت تخرج عن حدود السلامة البيئية؟ هذا ليس خيالاً، بل نتيجة مثيرة للقلق توصلت إليها دراسة علمية حديثة نشرت في مجلة "وان إيرث"، التابع لمعهد بوتسدام لأبحاث تأثير المناخ. الدراسة رسمت خريطة لأول مرة لمفهوم بالغ الأهمية يعرف باسم "سلامة الوظائف الحيوية للمحيط الحيوي"، وكشفت أن الإنسان دفع 60% من أراضي العالم إلى خارج النطاق الآمن الذي كان يوماً ضرورياً للحفاظ على استقرار النظم البيئية.


تزايد استهلاك الإنسان للموارد يخل بتوازن الأرض بشكل خطير


من المدهش أن صلب هذه المشكلة يكمن في الاستخدام البشري الكثيف للكتلة الحيوية النباتية، مثل قطع الأشجار، وحصاد المحاصيل، وتحويل الأراضي الطبيعية إلى أراض زراعية أو صناعية. الدراسات تُشير إلى أن النبات، عبر عملية التمثيل الضوئي، يلعب دوراً محورياً في حفظ توازن دورات الكربون والماء والنيتروجين، وهي العمليات التي تشكل العمود الفقري للنظم البيئية. إلا أن تدخل الإنسان وتزايد الطلب على الموارد جعل نسبة هائلة من إنتاج هذه الكتلة الحيوية تُستهلك لصالح الإنسان، ما يؤدي إلى تقويض قدرة الغطاء النباتي على أداء دوره الطبيعي في حماية المناخ والحفاظ على التوازن البيئي.

ويستند هذا التحليل إلى إطار "حدود الكوكب" الشهير، الذي صُمم لتحديد الحدود العلمية التي يجب ألا نتجاوزها إذا أردنا تأمين مستقبل البشرية. جانب "سلامة الوظائف الحيوية" المرتبط بالغذاء والطاقة، يُعدّ اليوم واحداً من الأعمدة المتينة في هذا الإطار، إلى جانب مصطلحات مثل التنوع الحيوي وتغير المناخ. ومع ازدياد الحاجة للطاقة الحيوية وارتفاع الطلب على المواد الخام، بات من الضروري جداً قياس مقدار التأثيرات البشرية على النظام البيئي، ليس على مستوى العالم فقط، بل وبشكل متمايز في كل منطقة.


دراسة تاريخية ترصد التغيرات منذ 1600 وحتى اليوم


ولعل ما يجعل هذه الدراسة فريدة هو الاستعانة بنموذج محاكاة عالمي يأخذ في الحسبان تدفق الماء والكربون والنيتروجين بشكل يومي وبدقة عالية منذ عام 1600 الميلادي. اكتشف الباحثون أن بداية التدهور في توازن النظام البيئي ظهرت باكراً في المناطق المعتدلة، لتشتد مع معالم الثورة الصناعية. في عام 1900 تجاوزت نسبة المناطق التي خرجت عن حدود الأمان البيئي 37% من الأراضي، ولكن مع تطور الزراعة والصناعة والبناء، وصلنا اليوم لمرحلة مؤلمة حيث أصبحت 60% من الأراضي مأزومة، وتعد 38% منها في "منطقة المخاطرة القصوى". ويتركز الخطر في أوروبا وآسيا وأمريكا الشمالية حيث تم تحويل معظم الأراضي الطبيعية إلى حقول ومحاصيل.

وهذا التسلسل الزمني يسلط الضوء بشكل ملفت على أن استنزاف البيئة من خلال قطع الأشجار وتدمير المواطن الطبيعية سبق ظاهرة الاحتباس الحراري نفسها، ما يوضح مدى عمق العلاقة بين النظم البيئية واستقرار المناخ العالمي.


التكامل بين حماية الغطاء النباتي ومكافحة تغير المناخ


إذا نظرنا للصورة الأكبر، نجد أن الباحثين، وعلى رأسهم العالم يوهان روكستروم، يرون في نتائج هذه الدراسة حافزاً جوهرياً لإعادة التفكير في السياسات الدولية للمناخ. فهم يؤكدون أن مصير مصارف الكربون الطبيعية، مثل الغابات، مرتبط تماماً بسلامة التوازن البيولوجي للنظم البيئية. فلا يمكن الفصل بين جهود حماية الغطاء النباتي وبين جهود مكافحة تغير المناخ، إذ يشكلان معاً محور الأمان لمستقبل الإنسان على وجه الأرض. كما يقترح الخبراء أن ترشيد استخدام الكتلة الحيوية وحماية المناطق الطبيعية أصبحا ضرورة عالمية غير قابلة للتأجيل، إذا أردنا بالفعل الحفاظ على التوازن البيئي الحيوي.

في هذا السياق، يصبح من الواضح أن كل متر من الغابات أو الأراضي الرطبة التي تنجو اليوم، تشكل دعامة لبقاء الكوكب على قيد الحياة بمستوى مقبول من الاستقرار البيئي.


مستقبل يستدعي التحرك العاجل والجماعي

ذو صلة


وختاماً، تكشف لنا هذه الدراسة كيف كان الإنسان، عبر قرون من الزراعة والصناعة والتمدّن، يؤثر بشكل متسارع على توازن الأرض وحيوية أنظمتها. اليوم تزداد التحديات مع زيادة عدد السكان وتغير المناخ وتراجع التنوع الحيوي. لكن الطريق نحو استعادة التوازن ليس مستحيلاً، بل يتطلب وعياً عالمياً وإجراءات حازمة من الحكومات والأفراد، من أجل حماية الكوكب للأجيال القادمة.

وفي ظل هذه الحقائق، يُصبح الاستثمار في حماية الغطاء النباتي وتعزيز الاستدامة البيئية، ضرورة وجودية لا تحتمل الانتظار.

ذو صلة