ذكاء اصطناعي

التاريخ كان يكذب علينا… حضارة عالمية ضاعت في لحظة!

محمد كمال
محمد كمال

3 د

مدينة غامضة تحت رمال العراق تكشف عن حضارة مفقودة تعود لآلاف السنين.

العلماء يعثرون على أدوات متطورة وطبقات طينية تشير إلى طوفان هائل.

التشابه الجيولوجي في مواقع أثرية يعزز فكرة كارثة غمرت مناطق شاسعة.

الأساطير القديمة والآثار تدعم وجود حضارة عالمية قديمة قد تكون هلكت بالطوفان.

الأدلة الجديدة تتحدى الروايات التقليدية وتفتح أبواباً لقصص أعمق عن أصل الإنسان.

في قلب صحراء العراق الجافة، وعلى بعد مئات الكيلومترات من نهر الفرات، يبدو أن مدينة مخفية تحت طبقات الرمال تسلّط الضوء من جديد على أحجية تاريخ الإنسان، عبر إشارات قوية لحضارة منسية طواها النسيان بفعل كارثة طبيعية مروعة تعود إلى 20 ألف سنة مضت.

مع تصاعد التنقيبات الأثرية في موقع “تل الفارة” الشهير، بدأ يطفو على السطح دليل مذهل؛ ليس فقط عن الحضارة السومرية المعروفة والتي أزدهرت قبل خمسة آلاف سنة، بل عثر العلماء على طبقات وتكوينات جيولوجية غير عادية، وعينات أثرية نادرة تروي قصة مجتمع متقدّم مجهول سبق حضارات بلاد ما بين النهرين بآلاف الأعوام. هذا الكشف الجديد استرعى انتباه خبراء ومسؤولين في مجال علم الآثار والجيولوجيا، وعزز فرضيات تتحدث عن “حضارة عالمية مفقودة” ربما كانت ذات صلات ثقافية وتجارية واسعة، قبل أن يقضي عليها طوفان غامض بالغ الشدة.

وبينما قد تعتبر منطقة تل الفارة معروفة نسبيًا لدى المتخصصين، فقد كشف عنطبقة كثيفة من الطين الأصفر والرمل سمتها الدراسات الحديثة بـ “طبقة الغمر”. ويمتد أثر هذه الطبقة إلى الشمال والجنوب، حيث ظهرت أنماط مشابهة في مواقع أثرية شهيرة مثل مدينة “أور” و”كيش” في العراق، وصولاً إلى مدن وادي السند في شبه القارة الهندية، وحتى ضفاف النيل في مصر القديمة. وهذا الترابط الجيولوجي بين مواقع متباعدة يعزز فكرة تعرض مناطق شاسعة لفيضان هائل لم تسجله كتب التاريخ المتعارف عليها.


تحليل علماء الآثار: حضارة متقدمة وأدوات متطورة


بفتح المزيد من طبقات الموقع، عُثر على أدوات وأوانٍ فخارية مزخرفة ولوحات طينية نقش عليها رسوماتٍ غير تقليدية مقارنة بتلك التي سادت في بلاد الرافدين المتأخرة. فالمطبوعات الطينية التي ظهرت كانت أكثر بدائية من الكتابة المسمارية التقليدية، لكنها دلت على مستوى من التنظيم والإبداع يُصعّب ربطه بالعهود الحجرية البدائية. وبينما كانت الطبقات العليا تحتفظ بمكتشفات السومريين، أبهرت المكتشفات المدفونة تحت “طبقة الطوفان” علماء الآثار وأثارت تساؤلات من نوع جديد. فهنا تذكّرنا الرواسب بما سمي بـ”الانقطاع الثقافي الكامل”، حيث كانت الفروق صارخة في أسلوب الصناعة والطقوس بين حضارة ما قبل الفيضان وما تلاه.

وبالعودة إلى الطبيعة المترابطة للاكتشافات، وجد الباحثون دلائل تشير إلى أن السكان الأصليين هجِروا الموقع بشكل جماعي ولجأوا إلى الهرب، ربما قبل أن تبلغهم مياه الفيضان الهائل الذي اقتلع حضارتهم من جذورها. وهذا يذكر العلماء بالكثير من الأساطير القديمة والروايات التراثية التي تتحدث عن حدث جلل، من قصة نوح العراقية وصولاً إلى أساطير الهند ونصوص الفراعنة في مصر.

ومن المثير للانتباه أن تكرّر طبقات الفيضانات والبقايا الأثرية تحتها في مواقع متباعدة مثل تل الفارة وأور وكيش يضيف مصطلحات “ذاكرة الكارثة” و”الفيضان الغامر” و”انقراض المجتمعات القديمة” إلى قاموس علوم الإنسان.

هذا الانسجام بين علم الجيولوجيا وتحليل الأساطير القديمة دفع الباحث مات لاكروي إلى فحص الحلقات الجليدية، ودراسة ركام البراكين وآثار التغيرات المناخية، إلى جانب مقارنة السجلات مع قصص الطوفان في ثقافات متعددة من سومر إلى بيرو مروراً بمصر والهند. واللافت أن هذه الأدلة مجتمعة أشارت إلى فترة زمنية تسبق حضارات وادي الرافدين بآلاف الأعوام.

ذو صلة

وتتقاطع هنا الأسئلة عن مدى ترابط الحضارات البشرية القديمة؛ هل كانت هناك شبكة “عالمية” من البشر تشاركت الرموز والطقوس وذكريات الكوارث الطبيعية؟ بعض المستكشفين يؤكدون أن وجود الأسرار المدفونة تحت الرمل، وتكرر الاكتشافات في مواقع عدة، تعيد كتابة فصول كاملة من تاريخ الإنسان وتفتح الباب أمام فرضيات تسد فجوات غامضة في قصة نشأتنا.

خلاصة الموضوع أن الاكتشافات الحديثة في تل الفارة لا تقتصر على تفاصيل أثرية، بل تؤسس لسردية جديدة تتحدى الروايات التقليدية حول بداية الحضارة. وجود رواسب الطوفان، والقطع الأثرية المتطورة، والانقطاع بين عصور ما قبل وما بعد الفيضان، كلها تؤكد أن قصة الإنسان أعمق وأغنى وأعقد من مجرد سلالات متلاحقة. وبينما يواصل الباحثون الحفر والترجمة والتحليل، يبقى السؤال مفتوحًا: ما مدى اتساع شبكة تلك الحضارة المفقودة، وهل ثمة أسرار أخرى تنتظر من يكتشفها بين رمال العراق ونهر الفرات العظيم؟

ذو صلة