ذكاء اصطناعي

الحبار الزجاجي يكشف أسرار التخفي في أعماق المحيط!

محمد كمال
محمد كمال

3 د

يعيش الحبار الزجاجي في أعماق البحار ويتميز بجسم شفاف يكاد لا يرى.

يمتلك الحبار الزجاجي خلايا كروماتوفورات لتغيير لونه والتمويه ضد الأعداء.

ينتج الحبار الزجاجي ضوءًا بيولومينسنتيًا لمحاكاة توهج المياه المحيطة به.

تضم عائلة الحبار الزجاجي نحو ستين نوعًا منتشرة في البحار العالمية.

تشكل نشاطات التعدين البحري تهديدًا للنظام البيئي الذي يعتمد عليه الحبار الزجاجي.

في أعماق البحار السحيقة، حيث يغيب ضوء الشمس وتبدأ "منطقة الشفق" الغامضة، يعيش كائن تبدو ملامحه كأنها من عالم آخر: **الحبار الزجاجي**. هذا الكائن البحري الشفاف تقريباً تمكّن بعلوم الطبيعة الباهرة من أن يجعل نفسه شبه غير مرئيّ في بيئة يسكنها الخطر من كل جانب.

عندما ينظر المفترسون من الأعلى باحثين عن ظلال فرائس محتملة، لا يجدون للحبار الزجاجي أثراً، إذ إن جسمه الشفاف لا يُلقي ظلاً على الإطلاق. أما عيناه الصغيرتان اللتان قد تفضحان موضعه، فقد زودهما الخالق بأعضاء دقيقة تُصدر **ضوءاً بيولومينسنتياً** يحاكي توهج المياه المحيطة ليذوب في خلفية البحر القاتمة.

وهذا يربط بين قدرة الحبار الزجاجي على التمويه ووسائله المتقدمة في التحكم بلونه وشفافيته.


خلايا التمويه: هندسة حيوية مذهلة

يمتلك الحبار الزجاجي خلايا جلدية تُعرف باسم **كروماتوفورات**، وهي أكياس صغيرة مملوءة بالأصباغ تعمل كعدسات متغيرة اللون، تتحكم فيها الأعصاب والعضلات بدقة. عندما تبقى هذه الأكياس مغلقة، يحتفظ الحبار بصفائه الكامل، فيبدو ككتلة بلورية تسبح في العدم. ولكن ما إن يشعر بالخطر، حتى يتمدد اللون داخل الخلايا ليتحوّل جسده بالكامل إلى لون داكن، ثم يطلق **سحابة حبرية** تُربك المفترس، قبل أن يختفي في الظلمة كطيف عابر.

هذا التناغم العصبي بين الضوء والحركة يفتح نافذة على جماليات **البيولوجيا التطورية** في أعماق المحيطات.

وبينما تُظهر هذه المهارة جانب الدفاع الذاتي، فإنها تكشف أيضاً كيف تكيفت هذه الكائنات للعيش في بيئة لا توفر أي مأوى مادي.


حياة بلا درع… وذكاء في البقاء

في "منطقة الشفق" المعروفة علمياً بـ **المنطقة الميزوبلاجية**، لا توجد طحالب ولا نباتات، إذ يحول انعدام الضوء دون قيام عملية **التمثيل الضوئي**. هناك، يتحرك الحبار الزجاجي بلا صدفة ولا عظم يحميه، معتمداً على جلده الشفاف وقدرته على الإضاءة الذاتية والتخفي كوسائل للدفاع ضد عملاق الأعماق مثل **حوت العنبر** الذي يغوص أحياناً إلى تلك الأعماق باحثاً عن وجبة دسمة.

ويبدو أن الحبار الزجاجي لا يعتمد على التمويه فقط؛ بل يملك حيلة أخرى تساعده على الطفو بسهولة، إذ يملأ تجاويف جسده بمركب **الأمونيا** الأخف من الماء، مما يقلل جهده أثناء السباحة.

هذا الابتكار الطبيعي في ضبط الكثافة يجعله مثالاً فريداً على **الفيزياء الحيوية** للمحيطات.


تنوّع مذهل في العائلة الزجاجية

تضم عائلة الحبار الزجاجي، المعروفة علمياً باسم **Cranchiidae**، نحو ستين نوعاً منتشرة في البحار حول العالم. بعض الأنواع لا يتجاوز طوله عشرة سنتيمترات، مثل *Cranchia scabra*، في حين يصل بعضها الآخر، مثل **الحبار الضخم (Mesonychoteuthis hamiltoni)**، إلى أكثر من عشرة أمتار ويزن نحو نصف طن. ويقرّ الباحثون في معهد مونتيري للأبحاث البحرية أن الأنواع الكبرى نادراً ما تُشاهد بسبب سرعتها الهائلة وصعوبة ملاحقتها بالغواصات العلمية.

ومع تضاؤل فرص الرؤية، تزداد الأسئلة العلمية حول أسرار حياتها، مما يجعلها هدفاً دائماً للغواصين والباحثين في علم **الأحياء البحرية العميقة**.


التعدين في الأعماق… تهديد غامض لعالم الشفافية

في الوقت نفسه الذي تبهر فيه هذه الكائنات العلماء، تتجه أنظار الشركات إلى أعماق البحار بحثاً عن **معادن نادرة** مثل الكوبالت والمنغنيز والنحاس الضرورية لصناعة الهواتف والسيارات الكهربائية. ورغم أن استخراج هذه المواد تجارياً لم يبدأ بعد، فإن التخوفات تتزايد من أن يؤدي الضجيج والمخلفات الناتجة عن **التعدين البحري** إلى اضطراب النظام البيئي في تلك المنطقة الحساسة، حيث يعتمد الحبار الزجاجي وغيره على الضوء والسمع لتحديد مواقعهم والتواصل عبر الإضاءة الحيوية.

وهذا يثير تساؤلات بيئية خطيرة حول مستقبل **النظم الإيكولوجية** في الأعماق وكيفية الموازنة بين التطور الصناعي والحفاظ على أسرار المحيط.

ذو صلة

خاتمة

يبقى الحبار الزجاجي أحد أعجب المخلوقات التي أبدعتها الطبيعة، يجسد مزيجاً فريداً من **الشفافية والتمويه والتكيّف**. فعلى بعد آلاف الأقدام تحت سطح البحر، يتوارى هذا الكائن خلف عباءته الزجاجية، شاهداً صامتاً على أن الحياة، حتى في أكثر الأماكن ظلمة وبرودة، قادرة دوماً على الابتكار في سبيل البقاء.

ذو صلة