الذكاء الاصطناعي يتفوق على الأطباء في التشخيص: إنجاز كبير مع عائق غامض

2 د
أظهرت دراسات أن الذكاء الاصطناعي يتفوق في تشخيص الأمراض بدقة عالية.
تحققت دقة 77% للذكاء الاصطناعي مقارنة بـ67% للأطباء في دراسة بلوس أنجلوس.
نموذج ChatGPT-4 حقق دقة 90% متجاوزًا أداء الأطباء في سيناريوهات طبية متعددة.
ما زالت القابلية للتفسير تحديًا رئيسيًا أمام تطبيق الذكاء الاصطناعي في الطب.
تحسين الشفافية في الذكاء الاصطناعي ضروري لبناء الثقة في قطاع الرعاية الصحية.
في تطور مثير يفتح نقاشًا واسعًا حول مستقبل الطب والعلاقة بين الإنسان والآلة، أظهرت عدة دراسات حديثة أن تقنيات الذكاء الاصطناعي باتت أكثر دقة وقدرة على تشخيص الأمراض مقارنةً بالأطباء البشريين أنفسهم. ورغم هذه التطورات الرائعة، يبقى التحدي الرئيسي أمام هذه التقنية المتقدمة هو افتقارها إلى القدرة على شرح أو تفسير استنتاجاتها بطريقة واضحة للبشر.
في هذا السياق، أجريت دراسة في مركز "سيدارز سيناي كونيكت" بلوس أنجلوس على 461 مريضًا، حيث تمت مقارنة أداء منظومة تشخيص ذكاء اصطناعي بتشخيصات أطباء خبراء في العديد من الحالات الصحية مثل مشاكل الجهاز التنفسي والمسالك البولية والعيون. وقد أُخضعت الحالات للتحكيم بصورة مجهولة تمامًا، وكانت المفاجأة واضحة: حققت تقنية الذكاء الاصطناعي دقة ممتازة بنسبة 77% مقابل 67% فقط بالنسبة للأطباء، وهو ما يعد إنجازًا ملفتًا جدًا.
هذا ويربطنا بنتائج دراسة أخرى أكثر إثارة نُشرت في دورية "JAMA Network Open" الطبية، حيث اختُبِرَ نموذج الذكاء الاصطناعي المعروف بـ "ChatGPT-4" بالمقارنة مع 50 طبيبًا في ستة سيناريوهات طبية مختلفة. وجاءت النتائج أكثر وضوحًا ومفاجأة، إذ وصلت نسبة دقة نموذج الذكاء الاصطناعي إلى 90%، متفوقًا بشكل ملحوظ على الأطباء البشريين وحتى مظهرًا تحليلات أكثر حرفية وعمقًا.
ما يزيد الموضوع أهمية دراسة ثالثة استخدمت نموذج "GPT o1-preview"، الذي أظهر تفوقًا في حل مشاكل طبية معقدة بشكل صحيح بنسبة 78%، ليتفوق بذلك على أداء الأطباء في خمسة سيناريوهات إكلينيكية متنوعة حاول فيها الأطباء بذل قصارى جهدهم. علاوة على الدقة، تمتّع النموذج بقدرة بارزة في بناء حجج منطقية وتقنيات استدلالية عالية المستوى، ما جعله قادرًا على إنتاج تشخيصات وافية ومدعومة بتبرير واضح.
لكن بالرغم من هذه القدرة الفائقة في التشخيص، تبقى هناك معضلة رئيسية لم تُحَل بعد، وهي "القابلية للتفسير". ببساطة، الذكاء الاصطناعي يستطيع التشخيص بكفاءة عالية، لكنه يعجز إلى حد كبير عن تقديم شرح واضح وشفاف يمكّن الأطباء من فهم الأسباب والمنطق وراء التشخيص، ما يشكّل عائقاً حقيقيًا أمام تقبل استخدامه بشكل واسع داخل القطاع الصحي.
لا شك أن مستقبل استخدام الذكاء الاصطناعي في التشخيص الطبي يبدو مشرقًا للغاية، لكن لكي تُقبل هذه التقنيات على نطاق واسع بين الأطباء والمرضى، من الضروري تجاوز العقبة الحالية المتعلقة بشفافية التفسير. ربما يكون الحل في تطوير نماذج قادرة على تبسيط عملياتها الداخلية وزيادة وضوح "آلية اتخاذ القرار" الخاصة بها، لضمان تواصل فعّال وبناء للثقة بين الآلة والإنسان. لحين تحقيق هذا الحل، تبقى تقنيات الذكاء الاصطناعي بطلًا موهوبًا في عالم الطب، لكنها في ذات الوقت بطل لا يستطيع بعد أن يشرح سر موهبته.