الذهب لا يُستخرج فقط من الأرض… بل ينبت من أغصان الأشجار!

3 د
أعلن باحثون فنلنديون عن اكتشاف جسيمات الذهب داخل إبر شجر التنوب النرويجي.
تشير الدراسات إلى أن البكتيريا في الإبر تسهم في تكوين جزيئات الذهب النانوية.
الميكروبات قد تحول الأيونات الذهبية الذائبة إلى جزيئات صلبة داخل النباتات.
استخدام البكتيريا لتحديد المناطق المعدنية قد يقلل الحفر العشوائي والأثر البيئي.
تسهم الأشجار والميكروبات الحيوية في تكوين المعادن داخل الخلايا الحية.
في مفاجأة علمية فريدة، أعلن باحثون فنلنديون عن اكتشاف جسيمات دقيقة من **الذهب** داخل إبر شجر التنوب النرويجي في غابات الشمال. هذه الدراسة الجديدة تلقي الضوء على ظاهرة غير مسبوقة، تفتح آفاقاً لاستكشاف الذهب بوسائل بيئية أكثر استدامة.
ما اكتشفه العلماء في جامعة أولو وهيئة المسح الجيولوجي في فنلندا لم يكن مجرد صدفة؛ إذ أظهرت التحاليل المجهرية أن البكتيريا التي تعيش داخل الإبر قد تكون العامل المحفز لتكوين **جزيئات الذهب النانوية**. الباحثة كايسا ليهوسما، المشاركة في الدراسة، أوضحت أن هذه النتائج تشير إلى أن الميكروبات المقيمة في النباتات تلعب دوراً في تراكم الذهب داخل أنسجتها.
وهذا يقودنا إلى المحور التالي المرتبط بالعلاقة بين الميكروبات والتربة.
الميكروبات: الكيميائي الخفي في الغابة
من المعروف أن الصخور الغنية بالمعادن تطلق **أيونات معدنية** أثناء تعرضها للتجوية، وتنتقل هذه الأيونات عبر المياه الجوفية إلى التربة ومنها إلى جذور النباتات. لكن الجديد هنا أن الميكروبات التي تعيش في أنسجة الشجر قد تكون قادرة على تحويل تلك الأيونات الذهبية الذائبة إلى جزيئات صلبة، أي تحويل الذهب “السائل” إلى “صلب” داخل الإبرة النباتية نفسها.
وللتأكد من ذلك، جمع الفريق نحو ١٣٨ عينة من إبر أشجار التنوب في منطقة كيتيلا الغنية بالذهب، وحللوها بتقنيات مجهرية متقدمة مثل **التحليل الطيفي بالأشعة السينية**. المفاجأة كانت في العثور على مجموعات من البكتيريا تعيش بجوار ذرات الذهب المغروسة في بنية الإبرة النباتية، وغالباً ما كانت هذه البكتيريا مغطاة بطبقة لاصقة تعرف بـ“**الغشاء الحيوي**” الذي يوفّر بيئة مثالية لتفاعلات المعادن.
ومن هنا يتضح الرابط التالي بين هذا الاكتشاف والتطبيقات المستقبلية في التنقيب.
نحو استكشاف أكثر خضرة واستدامة
يعتمد علم **الاستكشاف الجيوكيميائي الحيوي** اليوم على تحليل النباتات لتحديد وجود معادن في باطن الأرض. لكن إدخال العامل الميكروبي في المعادلة يمثل نقلة نوعية؛ إذ يمكن من خلال تتبع أنواع معينة من البكتيريا داخل أوراق أو إبر النباتات تحديد المناطق الواعدة بالتواجد المعدني، مما يقلل الحاجة إلى الحفر العشوائي ويحد من الأثر البيئي.
لا يقتصر الأمر على ذلك. فالتفاعلات نفسها التي تساعد على تكوين الذهب في إبر الأشجار يمكن أن تُستخدم مستقبلاً لتنقية المياه الملوثة بالمعادن الثقيلة، خصوصاً في المناطق القريبة من المناجم. الباحثون يدرسون حالياً نباتات مائية مثل الطحالب لتحديد قدرتها على **إزالة المعادن** من البيئة عبر عمليات **التبلور الحيوي**.
ويُبرز هذا التسلسل كيف يلقي الاكتشاف بظلاله على علم البيئة الدقيقة للنباتات.
الأشجار كمنظومات حية متكاملة
لم تعد الأشجار مجرد كائنات خضراء تنتج الأكسجين؛ فالعلم الحديث يصفها بأنها **أنظمة حيوية متكاملة** تضم النبات والميكروبات التي تعيش فيه، وكل مكوّن يؤدي وظيفة دقيقة. هذا التفاعل العميق بين الكائنات الدقيقة والنباتات لا يؤثر فقط في التغذية أو المناعة النباتية، بل قد يمتد ليشكل طريقة جديدة لتكوين المعادن داخل الخلايا الحية.
تختتم الباحثة ليهوسما حديثها بالتأكيد أن الخطوة المقبلة هي متابعة التجارب زمنياً لإثبات المراحل بدقة، وربط “البصمة الميكروبية” بوجود الذهب على نحو يمكن تطبيقه ميدانياً.
وبهذا، يبدو أن الطريق إلى مناجم المستقبل قد يمر عبر فحص إبر الأشجار، إذ يخبرنا **الميكروبيوم النباتي** بما تخفيه الأرض تحت الجذور، ليثبت أن الطبيعة ما زالت تخبّئ أسراراً ذهبية لم نكتشفها بعد.