الزائدة الدودية… من عضو مهمل إلى بطل خفي لصحة الأمعاء

4 د
بدأت الأبحاث الحديثة تُغيّر نظرتنا التقليدية نحو الزائدة الدودية.
تُشير الدراسات إلى دور الزائدة في تخزين البكتيريا النافعة للجسم.
الزائدة تلعب دورًا في جهاز المناعة وتؤثر على الاضطرابات الهضمية.
تبقى الجراحة ليست ضرورية للجميع ومن المهم إعادة النظر في فوائدها.
الزائدة تحمل قيمة تتجاوز "العضو الأثري" لدور مناعي وميكروبي.
تخيّل معي: ذلك العضو الصغير الذي طالما اعتبرناه "قنبلة موقوتة" في بطوننا، الزائدة الدودية. كثيراً ما يُنظر إليها وكأنها زائد لا نفع له سوى أن يصيبنا بألم مفاجئ يستدعي جراحة عاجلة. في كندا مثلاً، يُصاب أكثر من أربعين ألف شخص سنويًا بالتهاب الزائدة، وتواجه حياتهم خطرًا حقيقيًا إذا انفجرت. لسنوات طويلة، كان يُقال لنا: إذا استؤصلت الزائدة لن تتغير صحتك، فهي جزء "أثري" فقد دوره منذ عصور أسلافنا. لكن مع تراكم الأبحاث خلال العقدين الأخيرين، بدأت صورة هذا العضو تتغير... وربما يحمل بين جنباته سرًا جديدًا.
قبل أن نتعمق في التفاصيل، دعونا نتعرف باختصار على ماهية الزائدة الدودية. إنها قطعة صغيرة متصلة بالقولون أسفل البطن عادةً في الجهة اليمنى، وهي بالفعل تُشبه الدودة في شكلها (ومن هنا اسمها العلمي "الزائدة الدودية الدودية الشكل"). طولها في المتوسط نحو تسعة سنتيمترات. قد يولد بعض الناس من دونها، أو حتى باثنتين، أو في جهة غير معتادة! ومع هذا التباين الشكلي المثير، يبقى السؤال: لماذا تكمن هنا في جُعبتنا البيولوجية؟
قد تتعجب أنّ مشكلات الزائدة لا تقتصر فقط على الالتهاب المعهود – الذي يحدث غالبًا بسبب انسدادها بجسم غريب أو تراكم الفضلات، مسببًا انتفاخها وخراب جدارها إذا لم تُستأصل في الوقت المناسب. بالمناسبة، أعلى احتمال للإصابة بالتهابات الزائدة في حياتنا يتراوح بين 7 و9%، أي شخص واحد تقريباً من كل عشرة إلى عشرين. ومؤخرًا ظهرت أبحاث تشير إلى أن العلاج بالمضادات الحيوية قد يكون بديلاً مناسبا للجراحة في بعض الحالات. ومن النادر جداً أن تتحول الزائدة إلى سرطانية، وهذا النوع من الأورام وعلى الرغم من خطورته حال حدوثه، يظل نادرًا جدًا. وهنا نستنتج أن المخاطر موجودة، لكن أسطورة "ضرورة استئصالها للجميع" ليست دقيقة تمامًا، إذ إن الجراحة ليست خيارًا بلا ثمن أو مخاطر.
وهذا يقودنا لسؤال آخر: هل تحمل الزائدة الدودية أي فائدة فعلياً؟ هنا، دخلت الأبحاث الحديثة لتغير نظرتنا التقليدية تجاهها. ظهرت فرضية علمية مثيرة تصف الزائدة بأنها "مخزن آمن" للبكتيريا المفيدة التي تسكن أمعاءنا، وتعرف باسم "الميكروبيوم المعوي". فكرة الميكروبيوم ليست شعارات تسويقية فقط؛ فالمليارات من البكتيريا الجيدة تساعد منظومتنا الهضمية والمناعية. الطريف أن عند الإصابة بإسهال شديد أو أمراض تفرغ الأمعاء – يفقد الجسم جزءًا كبيرًا من البكتيريا المفيدة. وهنا يأتي دور الزائدة: يُحتمل أنها توفر "احتياطي بكتيري"، يعيد ملء القولون بمجموعته النافعة سريعًا بعد أي اضطراب. طبعًا في مجتمعاتنا الحديثة ذات المياه النظيفة والصرف الصحي الجيد، قد يبدو هذا الدور أقل أهمية من عصور ما قبل التحضر، لكن في السابق كان الأمر بالغ الحيوية.
وبناءً على ذلك، بدأت بعض الدراسات تراقب الزائدة عن كثب، خصوصاً علاقتها بجهاز المناعة والاضطرابات الهضمية المزمنة. نعرف الآن أن في جدران الزائدة نسيجًا مناعيًّا نشطًا خاصةً في الطفولة، وأن البكتيريا التي تعيش فيها متنوعة وقد تشبه نظيراتها في القولون نفسه. على سبيل المثال، هناك رصد علمي يربط بين استئصال الزائدة في مرحلة المراهقة وانخفاض خطر الإصابة بالتهاب القولون التقرحي – وهو مرض مناعي يسبب التهاباً شديداً في القولون والمستقيم. ومن المثير أن المرضى الذين استُؤصلت زوائدهم وأصيبوا لاحقًا بالتهاب القولون، تقل حاجتهم لاستئصال القولون نفسه مستقبلاً. صحيح أن نتائج الأبحاث متضاربة أحيانًا وبحاجة لمزيد من الأدلة، لكن من الواضح أن للزائدة حكاية أعقد من كونها عضواً "لا قيمة له".
وفي سياق هذا التقدم المعرفي، نستذكر كيف غيّر العلم نظرته للزائدة على مدار التاريخ: من عضو يُتهم بأنه عبء تطوري وأصل المتاعب الصحية، إلى احتمال كونه مركزاً نشطاً لنظام المناعة، ومخزنًا استراتيجياً للميكروبات المفيدة. هذه الرحلة تعكس قدرة المعرفة العلمية على مراجعة الأفكار، وتخطي الموروثات القديمة لصالح الأدلة الجديدة. وربطًا بهذا المسار العلمي المتبدل، يجدر بنا استخدام مفردات أكثر دقة وحيوية عند الحديث عن الزائدة – مثل "دور مناعي" أو "مخزن ميكروبي" بدلاً من "عضو أثري"، وننصح بأن تُختتم المقالات بجملة تربط بين الجدل البحثي والاهتمام الطبي المستمر.
ختامًا، رغم أن العلم لا يحمل لنا هذا اليوم جوابًا نهائيًا حول كل وظائف الزائدة، إلا أن الاكتشافات المستجدة تحفزنا على إعادة النظر في "الزائد" داخل أجسادنا وأفكارنا كذلك. ربما يستحق منّا هذا العضو ما هو أكثر من مجرد نكتة عن ألم البطن. ولعل تعبير "قنبلة موقوتة" ليس أدق وصف له، خاصة حين نركز على دوره الكامن في حمايتنا. بالمناسبة، استبدال كلمة "عديم الفائدة" بـ"عضو غامض الوظيفة" قد يعبر بدقّة أفضل عن واقع البحث العلمي اليوم، كما أن إضافة جملة ربط - تجمع بين سير الأبحاث الطبية وتغير النظرة المجتمعية - تضيف للمقال زاوية إنسانية وعلمية في آن واحد.