الزهرة يكشف أسراره المظلمة… أنفاق عملاقة تضاهي أضخم ما على القمر

3 د
اكتشف العلماء أنفاقًا بركانية هائلة تحت سطح كوكب الزهرة.
البيانات الرادارية القديمة كشفت تشكيلات جيولوجية غير متوقعة على الكوكب.
تشير الفرضيات إلى أن الضغط الجوي الهائل شكل تجاويف ضخمة غير اعتيادية.
تسلط البعثات المستقبلية الضوء على فهم أفضل لنشاط الزهرة البركاني وتاريخه.
في اكتشاف علمي يثير الدهشة، أعلن باحثون عن رصد أنفاق تحت سطح كوكب الزهرة بحجم يفوق التوقعات، بل ويضاهي تلك الموجودة على القمر. النتيجة جاءت استناداً إلى بيانات رادارية قديمة أعيد تحليلها، وكشفت عن تشكيلات جيولوجية غير متوقعة على الكوكب المعروف ببيئته القاسية.
هذا الاكتشاف يطرح تساؤلات جوهرية حول طبيعة البراكين على الزهرة وفهمنا للعمليات الجيولوجية في الكواكب الصخرية.
بيئة قاسية تخبئ أسراراً
الزهرة، الملقّب بـ “توأم الأرض” من حيث الحجم والكتلة، يُغطّى بسحب كثيفة من حمض الكبريتيك، وتصل حرارته السطحية إلى أكثر من 480 درجة مئوية. أما ضغطه الجوي فيفوق نظيره على الأرض بتسعين مرة. في ظل هذه الظروف، لطالما صُنّف هذا الكوكب كبيئة معادية للحياة ولأي نشاط استكشافي طويل الأمد.
ومن هنا تأتي المفارقة: كيف يمكن لتجاويف ضخمة تحت السطح أن تتشكل في بيئة كهذه، رغم أن الجاذبية المشابهة للأرض يفترض أن تحدّ من اتساعها؟
أنفاق الحمم: من الأرض إلى الزهرة
المعروف أن أنفاق الحمم تظهر على الأرض والقمر والمريخ، وهي قنوات طبيعية تتشكل حين يبرد سطح تدفق بركاني بينما يستمر الحمم الذائبة في الجريان أسفله. على الأرض تبقى هذه الأنفاق صغيرة نسبياً، بينما تنمو بشكل ضخم على القمر والمريخ بسبب الجاذبية الضعيفة.
لكن بيانات الرادار القادمة من بعثات سابقة للزهرة أظهرت وجود سلاسل من الفتحات الغائرة قرب براكين درعية قديمة. هذه المعالم تتطابق أكثر مع انهيارات أنفاق حمم عملاقة، لا مع كسور تكتونية.
وهذا يفتح باباً جديداً لفهم العلاقة بين طبيعة الغلاف الجوي للزهرة وشكل نشاطه البركاني غير الاعتيادي.
فرضيات للسبب الحقيقي
يشير الباحثون إلى أن الضغط الجوي الهائل على الزهرة قد يلعب دوراً محورياً، إذ قد يمنع النحت العمودي داخل القنوات ويشجع على تدفقات أفقية عريضة، ما يؤدي بمرور الزمن إلى تكوين تجاويف باطنية ضخمة على غير المتوقع.
ومن منظور علم الكواكب، هذا يعني أن بركان الزهرة لا تحكمه الكتلة والجاذبية وحدهما، بل الغلاف الجوي شديد الكثافة أيضاً.
هذا الربط بين الغلاف الجوي والجيولوجيا قد يمنحنا مفاتيح لفهم كيف تحولت الزهرة من عالم ربما قابل للحياة في الماضي إلى بيئة جحيمية حالياً.
بوابة لفهم تاريخ الزهرة
تشير بعض النظريات إلى أن الكوكب ربما احتوى على محيطات سطحية ضحلة في زمن غابر. وإذا صحّت هذه الفرضية، فإن الأنفاق الباطنية قد تحمل بصمات كيميائية من ذلك العصر، محفوظة بعيداً عن الحرارة والضغط السطحيين.
وهنا تبرز أهمية المهمات المستقبلية مثل بعثة وكالة الفضاء الأوروبية “EnVision” المقررة عام 2031، والتي ستحمل راداراً قادراً على اختراق مئات الأمتار تحت قشرة الكوكب للكشف بشكل أدق عن هذه التكوينات.
وبهذا نرى أن الزهرة لا يزال يخفي قصصاً كثيرة تحت سطحه، قصص قد تغيّر نظرتنا لماضيه وربما تعطي مؤشرات حول مستقبل استكشاف الإنسان للكواكب القريبة.
خاتمة
الاكتشاف الجديد يعيد تسليط الضوء على الكوكب الأكثر غموضاً قربنا، مؤكداً أن الزهرة ليس مجرد نسخة قاسية من الأرض، بل عالَم يخبئ في باطنه مفاتيح مهمة لفهم تطور الكواكب. وبينما ننتظر تقنيات الرصد القادمة، سيظل السؤال معلقاً: هل تكشف هذه الأنفاق العملاقة أسراراً عن تاريخ مناخي مفقود، أم تظل مجرد دليل آخر على غرابة الزهرة؟