الصين تغيّر قواعد اللعبة النووية باستخدام الثوريوم: تقنية جديدة تبشر بعصر طاقة آمن ومستدام

4 د
أعلنت الصين عن نجاحها في إعادة تزويد مفاعلها النووي العامل بالثوريوم دون توقفه.
الثوريوم يقدم بديلاً مشعًا أقل خطورة وأكثر وفرة من اليورانيوم المستخدم.
يمثل هذا الإنجاز طفرة في الطاقة المستدامة ويدعم ريادة الصين العالمية.
مفاعلات الثوريوم الصينية تستخدم تقنية الملح المنصهر وتوفر أمانًا أكبر.
تهدف الصين للبناء على هذا الإنجاز لتحقيق حياد كربوني بحلول 2060.
تشهد الساحة التقنية اليوم حدثاً يمكن أن يغير ميزان سباق الطاقة النظيفة حول العالم. ففي خطوة وُصفت بأنها "لحظة سبوتنيك" جديدة، أعلنت الصين مؤخرًا أنها نجحت ولأول مرة في إعادة تزويد مفاعلها النووي العامل بالثوريوم بالوقود، دون الحاجة إلى إيقافه عن التشغيل. هذه القفزة التكنولوجية التي جرى الإعلان عنها خلال اجتماع مغلق للأكاديمية الصينية للعلوم، قد تمهد لعصر جديد من الطاقة المستدامة، وتمنح بكين الصدارة في السباق نحو تقنيات الطاقة النووية الأكثر أمانًا وكفاءة.
منذ سنوات طويلة، كانت هناك آمال في أن يصبح الثوريوم الخيار الأفضل لتشغيل المفاعلات النووية، باعتباره عنصراً مشعاً أقل خطورة من اليورانيوم وأكثر وفرة منه بكثير. فالثوريوم، المعدن ذو اللون الفضي الذي يُستخرج غالباً من صخور المونازيت، ينتج نفايات مشعة أقل ويُقدّر أنه منتشر بنسبة ثلاثة أضعاف انتشار اليورانيوم في القشرة الأرضية، بحسب الوكالة الدولية للطاقة الذرية. إلا أن تعقيدات فنية واقتصادية أخرت استخدامه الفعلي لعقود، ما جعل نجاح العلماء الصينيين في إعادة تزويد مفاعل الملح المنصهر بالثوريوم دون انقطاع التشغيل يمثل طفرة غير مسبوقة.
ولم تكن هذه الخطوة محض صدفة، بل جاءت كنتيجة سنوات من البحث المضني، معتمدين على أبحاث أمريكية رائدة في خمسينيات القرن الماضي، والتي أُهملت فيما بعد لصالح تقنيات تعتمد على اليورانيوم. وهنا نرى كيف أن الصين استلهمت من التاريخ العلمي الأمريكي لتعيد إحياء أمل جديد. ففريق البروفيسور شو هونغجيه عمل لسنوات على مراجعة وثائق أمريكية أفرج عنها حديثًا، وأعادوا تنفيذ تجارب قديمة قبل الإضافة عليها وتحقيق هذا الإنجاز الهام. وهذا يربط الماضي الأمريكي بالتحول الصيني المعاصر، ويبرز أنه في عالم البحث العلمي، فإن الإرث المعرفي المفتوح قد يمنح أية دولة فرصة لتحقيق السبق.
مفاعلات الثوريوم للغد: فعالية وأمان بنكهة صينية
النقلة الكبيرة في المشروع الصيني قامت على مفاعل اختباري في صحراء جوبي الغنية بالمعادن النادرة، وهذا المفاعل يعتمد تقنية الملح المنصهر في نقل الوقود وسحب الحرارة، مع الاستفادة من الثوريوم كمصدر أساسي للطاقة. وتُقدّر القدرة الحرارية لهذا المفاعل بقرابة 2 ميغاواط، ما يسمح بتجريب التقنية والتأكد من جدوى توسيعها مستقبلاً.
وهذا الإنجاز ليس مجرد حدث علمي وحسب، بل من المنتظر أن يغير قواعد اللعبة في قطاع الطاقة النووية العالمي. حيث تشير دراسات، مثل تلك التي أعدتها جامعة ستانفورد، إلى أن الطاقة التي ينتجها الثوريوم في الانشطار النووي قد تفوق الطاقة المنتجة من اليورانيوم بحوالي 35 مرة. ناهيك عن أن مفاعلات الملح المنصهر بالثوريوم تكون أكثر أمانًا، إذ إنها لا تتعرض لخطر الانصهار (المعروف بالكوارث النووية)، ولا تحتاج لمبردات مائية تقليدية، وتنتج نفايات طويلة العمر بكميات قليلة نسبيًا.
وبعدما نجحت هذه التجارب على النطاق الضيق، سارعت الصين للمضي قدمًا نحو بناء مفاعلات أضخم تجاريًا في ذات المنطقة، ومن المتوقع أن يبدأ إنتاج الكهرباء فعليا منها بحلول عام 2029 بطاقة تفوق عشرة أضعاف النموذج الحالي. وهذا يضع الصين في المقدمة، مستفيدة من رصيدها الكبير من احتياطيات الثوريوم، خاصة أن التقديرات الأخيرة تشير إلى وجود مليون طن من الثوريوم في مناجم بايان أوبو في منغوليا الداخلية، تكفي، نظريًا، لتشغيل البلاد لعشرات آلاف السنين.
تربط هذه الخطوة بين طموحات الصين الاستراتيجية لبلوغ الحياد الكربوني بحلول عام 2060، وبين التزامها بتقليل الاعتماد على الطاقة الأحفورية، وهي رسالة مفادها أن البحث عن حلول طاقة نظيفة لم يعد خيارًا بل ضرورة وطنية وعالمية.
مستقبل الطاقة النووية: إرث يتجدد بمفاتيح جديدة
الإعلان الأخير عزز فرضية أن الأفق أمام الثوريوم كمصدر للطاقة لا يزال مفتوحًا. عجلة الأفكار القديمة دارت هذه المرة لتدفع بالصين نحو ريادة عالمية جديدة في قطاع شهد سنوات من الجمود حول العالم. وفي الوقت الذي تسعى فيه دول عدة لتقليل انبعاثاتها وتحرير قطاع الطاقة من التغيرات المناخية وتقلبات أسواق النفط، يظهر الثوريوم ليمنح الأمل من جديد بتقنيات نظيفة، رخيصة وأكثر استدامة.
ومع ذلك، تتضح أهمية مواصلة البحث العلمي والانفتاح على تجارب دولية قديمة لا تستسلم للنسيان أو الإهمال. من المقترح هنا مثلا استبدال مصطلح "تكنولوجيا عفا عليها الزمن" بعبارة "إرث علمي قابل للتجديد"، لأن هذا يعكس مدى تحول الأفكار بتغير الزمان والمكان. كما يمكن تعزيز الترابط بين فقرات هذا النوع من المقالات عبر إدراج مزيد من الأمثلة الدولية التي تحاول اللحاق بما أنجزته الصين، لإضفاء بعد مقارنة يعمّق الفهم لدى القارئ.
في نهاية المطاف، تروي تجربة الصين مع الثوريوم قصة ملهمة عن كيف يمكن لروح المغامرة والعودة إلى الجذور العلمية أن تفتح أفاقًا جديدة أمام البشرية بأسرها. ربما حان الوقت لأن تنظر بقية الدول للأرشيف العلمي بعين مختلفة، وتمنح الأبحاث القديمة فرصة لتزهر مجددًا بلباس الحاضر التكنولوجي.