ذكاء اصطناعي

الصين تكشف عن أقدم خريطة تشريحية لجسم الإنسان عمرها 2200 عام

محمد كمال
محمد كمال

3 د

اكتُشفت مخطوطة قديمة في الصين تحتوي على أقدم خريطة تشريحية لجسم الإنسان.

تصف المخطوطة مسارات تشبه الشرايين والأوعية الدموية الأساسية التي نعرفها في الطب الحديث.

مخطوطات "ماوانغدوي" تسلط الضوء على فهماً متقدماً للطب الصيني التقليدي من زمن بعيد.

الاكتشاف يدفع لإعادة التفكير في الهيمنة الغربية بتاريخ العلوم الطبية واحتمال مساهمات أقدم.

يساهم الاكتشاف في فهم وتقدير دور الحضارات القديمة في تطور المعرفة الطبية.

عندما نتحدث عن بدايات الطب والتشريح، غالباً ما تقفز إلى أذهاننا الحضارة اليونانية القديمة وأسماء مشهورة مثل هيروفيلوس وإيراسيستراتوس. لكن اكتشافاً جديداً مذهلاً قد يغير تماماً فهمنا للتاريخ القديم للطب البشري وأصوله الحقيقية.

قبل نحو 2200 عام، وفي مقبرة قديمة جنوبي الصين، عُثر مؤخراً على مخطوطة حريرية فريدة قد تكون أقدم خريطة تشريحية لجسم الإنسان على الإطلاق. هذه المخطوطة، والمعروفة بمخطوطات "ماوانغدوي" الطبية، تعود إلى عصر أسرة هان الصينية (206 قبل الميلاد - 220 ميلادية)، وتُظهر بتفصيل لافت معارف طبية متقدمة بشكل يصعب تصديقه في ذلك الزمن البعيد.


ماذا تخبئ هذه المخطوطات العتيقة؟

تشير هذه النصوص الحريرية إلى مساراتٍ تدعى "خطوط الطول" أو "الميريديان"، وهي قنوات مسارات معروفة اليوم أكثر في إطار الممارسات الطبية الصينية التقليدية مثل الوخز بالإبر. لكن المفاجأة أن الباحثين اكتشفوا أن أوصاف هذه المسارات التي وردت في النصوص القديمة تتطابق مع الشرايين والأوعية الدموية الأساسية التي يعرفها الطب الحديث، مثل الشريان الزندي في الساعد، والوريد الصافن الممتد على طول الساق.

تؤكد ڤيڤيان شو، المتخصصة في التشريح بجامعة بانجور، أن التعامل مع هذا النص القديم يحتاج إلى منظور مختلف عن الطب الغربي. وتصف شو النص بأنه "يتطلب مجموعة متنوعة من المهارات، بدءاً من القدرة على قراءة النصوص الصينية القديمة، وانتهاءً بالدراسات التشريحية الحديثة، كي نتمكن من تحديد الأجزاء التي تصفها النصوص بدقة".

ومن بين التفاصيل التي ذكرتها مخطوطة ماوانغدوي مسار يبدأ من إصبع القدم الكبير ويمتد على طول الساق، مروراً بالكاحل والركبة والفخذ، وهو ما يتوافق بشكل مثير تماماً مع الوريد الصافن، ما يعكس فهماً تشريحياً متطوراً للغاية.

وهذا الاكتشاف يلقي ضوءاً جديداً على مجال الوخز بالإبر، الذي لطالما اُعتبر في المجتمعات الحديثة كنوع من الطب البديل أو غير العلمي. إلا أن هذه النصوص قد تثبت أن الممارسة ترتبط بواقع مادي مدروس بدقة وفق التشريح الطبي الحقيقي.

وثمة سؤال آخر مثير للاهتمام: كيف توصل الأطباء القدامى لتلك المعرفة الدقيقة بأجسام البشر؟ لا تزال التفاصيل غامضة بالنسبة إلينا، لكن الباحثين يرجحون إجراء منتظم لتشريح أجسام السجناء أو الخارجين عن القانون، وهي ممارسة لم تكن شائعة آنذاك، إذ كانت جثامين الأشخاص العاديين تُعامل بقدسية كبيرة، فيما كان مصير الأشخاص الأقل درجة اجتماعياً مختلفاً تماماً.

وهذا الاكتشاف الوثائقي المذهل لا يقتصر تأثيره على فهمنا لتاريخ التشريح فقط، بل يفتح باب الحوار حول الهيمنة الغربية في تأريخ العلوم الطبية. فمن المعتاد أن يُعتقد أن الحضارة الغربية كانت السباقة، وأنها مركز المعرفة والتحليل الدقيق للعلم. لكن هذه الاكتشافات تؤكد لنا أن الحضارات القديمة حول العالم، وفي مقدمتها الحضارة الصينية، قد قدمت مساهمات علمية دقيقة وحقيقية قبل فترة طويلة من الحضارات الأوروبية المتأخرة.

ذو صلة

وبعد هذا الاكتشاف المهم، أصبحت لدينا فرصة ذهبية لإعادة تقييم تاريخ الطب على مستوى العالم، وتعزيز الانتباه إلى أهمية دراسة إسهامات الحضارات القديمة وحفظها. ولعل من المفيد أن نركز مستقبلاً على اكتشافات مشابهة قد تؤدي لمزيد من التأمل وإعادة النظر في المقولات التقليدية حول تاريخ تطور المعرفة الإنسانية.

في النهاية، يظل اكتشاف مثل هذه المخطوطات رسالة واضحة بأن التاريخ الإنساني لا تزال تخبئ لنا أسراراً كثيرة قد تعيد تشكيل فهمنا لتراثنا العلمي والحضاري، وتذكرنا بأن المعرفة الإنسانية ليست حكراً على منطقة جغرافية واحدة، بل هي إسهام عالمي، ساهمت فيه البشرية جمعاء عبر عصورها المتنوعة.

ذو صلة