العلماء يحذرون من تشابه مُقلق بين أحداث نقص الأكسجين على الأرض قديماً وبين الوقت الحاضر

3 د
شهد المحيط نقصًا حادًا في الأكسجين قبل 300 مليون سنة مع زيادة ثاني أكسيد الكربون.
كانت الانفجارات البركانية العملاقة المصدر الطبيعي للغازات في ذلك الوقت.
حاليًا، الأنشطة البشرية تُعد المصدر الرئيسي لانبعاثات ثاني أكسيد الكربون.
التغير المناخي قد يسبب انخفاض الأكسجين بالمحيطات، مما يؤثر على الحياة البحرية.
هذه الدراسة تحذر من اضطرابات بيئية خطيرة بسبب استمرار الانبعاثات العالية.
منذ ملايين السنين، وتحديداً قبل نحو 300 مليون سنة، عاشت المحيطات ظروفاً صعبة جداً تمثلت في نقصٍ كارثي في مستويات الأكسجين، السبب في ذلك كان "تجشؤات" طبيعية هائلة من ثاني أكسيد الكربون. هذا ما كشفته دراسة حديثة أجراها باحثون من جامعة كاليفورنيا ديفيس وأكاديمية العلوم الصينية وجامعة تكساس إيه آند إم، مستعينة بتحليل عميق لعينات الرواسب البحرية والنماذج المناخية المتقدمة.
وفقاً للنتائج المنشورة في مجلة الأكاديمية الوطنية الأمريكية للعلوم (PNAS)، رصد الفريق البحثي خمسة أحداث متميزة شهدت انخفاضاً حاداً في نسبة الأكسجين في المحيطات تراوحت بين 4 إلى 12٪. كل هذه الأحداث الخمسة كانت مرتبطة بشكل واضح بارتفاعٍ كبير في نسب ثاني أكسيد الكربون بالغلاف الجوي. تأثير هذه الظواهر، المعروفة باسم "أحداث نقص الأكسجين"، كان ملموساً حيث أدت إلى توقف واضح – وإن كان مؤقتاً – في نمو وتنوع الحياة البحرية.
وهذا يعيدنا إلى سؤال جوهري: ما هو مصدر هذه الكميات الهائلة من ثاني أكسيد الكربون؟ الجواب يكشفه التحليل الكيميائي الدقيق لعناصر نادرة تم العثور عليها في عينات الرواسب البحرية في جنوب الصين، التي أتاحت للعلماء تحديد مصدر التغيرات. حينذاك، كانت مصادر هذا الانفلات الغازي طبيعية بالأساس، مثل الانفجارات البركانية العملاقة التي كانت تبعث بكم هائل من الكربون للأجواء، مسببة اضطرابات حادة في توازن المناخ العالمي.
لكن، ما الذي يربط بين تلك الأحداث القديمة وحاضرنا اليوم؟ الأمر بوضوح هو تلك النقلة السريعة والكبيرة في نسب ثاني أكسيد الكربون؛ فإذا كانت الأحداث القديمة قد حدثت بفعل الطبيعة، فإن الاختلاف المثير للقلق حالياً هو أن البشر باتوا هم المسؤول الرئيسي عن انبعاثات ثاني أكسيد الكربون عبر الأنشطة الصناعية والزراعية اليومية. بحسب ما أوضحته الباحثة الرئيسية إيزابيل مونتانيز من قسم علوم الأرض والكواكب في جامعة كاليفورنيا ديفيس: "اليوم نحن نمر بطفرة مشابهة، لكنها أسرع بمقدار مرتين أو ثلاث على الأقل مقارنة بالتجشؤات الطبيعية القديمة".
هذا السياق يسلط الضوء على أهمية هذه الدراسة الحديثة في فهم المخاطر المناخية المحتملة على الكوكب؛ فعلى الرغم من الزمن الطويل الذي يفصلنا عن هذه الأحداث القديمة وتباين الظروف وقتها، إلا أن النموذج المناخي المطور، الذي تم اختباره آلاف المرات على الحواسيب العملاقة، يُظهر احتمالية تكرار حدوث انخفاض مماثل في تركيز الأكسجين بالمحيطات لو استمر الإنسان في معدلات انبعاث ثاني أكسيد الكربون الخيالية الحالية.
بالرغم من أن هذه الانخفاضات في الأكسجين لم ترافقها انقراضات جماعية واضحة – كما نراه في انقراض الديناصورات مثلاً – إلا أن الباحثين يؤكدون أنها أوقفت بشكل ملحوظ التنوع الحيوي في المياه الساحلية، مما أثر على البيئة البحرية حتى تعافت المحيطات. وهذا بحد ذاته يعد تحذيراً قوياً بخصوص صحة البحار والمحيطات اليوم.
قد لا تكون الأرض اليوم مشابهة بشكلٍ دقيق لعالم ما قبل 300 مليون عام؛ فعلى سبيل المثال كانت مستويات الأكسجين في الجو مرتفعة حينذاك بنسبة تصل إلى 40 إلى 50٪ أكثر من اليوم. إلا أن الفكرة الأساسية التي يجب أن نأخذها بعين الاعتبار – كما تقترح مونتانيز – هي أنه لا ينبغي أبداً أن نستهين بإمكانية حدوث اضطرابات مناخية وحيوية كبرى بسبب نسب ثاني أكسيد الكربون المرتفعة الحالية.
في ظل هذا، ربما من الحكمة الاستفادة من دراسات كهذه لتعزيز الوعي بأهمية السيطرة على انبعاثاتنا الكربونية، واعتبار النماذج المناخية التاريخية درساً يفهم من خلاله العلماء وصناع القرارات كيفية التحرك لتجنب كارثة بيئية محتملة.