العلماء يكتشفون أن للذرة قلباً… والنبض يثير الدهشة!

3 د
تمكن العلماء من مراقبة نبض قلب الذرة المغناطيسي في الزمن الحقيقي.
استخدم العلماء مجهر المسح النفقي لرصد تذبذب نواة التيتانيوم-49.
يساعد هذا الانجاز في تطوير الحواسيب الكمومية بتقنيات دقيقة لتحليل حالة الكيوبت.
يتيح التحكم في النبض الذري إمكانية تطوير أجهزة إلكترونية مستقبلية فائقة الذكاء.
هل تخيّلت يومًا قدرة الإنسان على مراقبة قلب الذرة النابض؟ في خطوة علمية رائدة، نجح فريق من علماء الفيزياء في قياس نبض قلب الذرة المغناطيسي، راصدين تذبذبه السريع بين حالتين كمّيتين مختلفتين، وذلك لأول مرة في التاريخ داخل معاملهم المزودة بتقنيات فريدة.
من خلال استخدام مجهر المسح النفقي، تمكّن العلماء من تتبع حركة الإلكترونات حول نواة ذرة من نظير التيتانيوم-49، وهو ما أتاح لهم رصد التوقيت الدقيق لنَبض النواة المغناطيسي بعيدًا عن المؤثرات المحيطة. أهم ما في القصة أن هذه النتائج تمنحنا نظرة مجهرية جديدة حول آلية استرخاء اللف المغزلي النووي، والتي ترتبط أساسًا بتطوير الحواسيب الكمومية واستخدامها في منصات الكيوبت الدقيقة.
معنى "اللف المغزلي" ودوره في عالم الكم
لتقريب الفكرة أكثر، اللف المغزلي (Spin) هو أحد المفاهيم الجوهرية في الفيزياء، يُعبر عن نوع خاص من الزخم الزاوي لأجزاء الذرة مثل الإلكترونات والنيوترونات والبروتونات. هذه الخاصية الكمية هي سرٌ وراء معظم الظواهر المغناطيسية التي نراها، كما تشكل أساس "الكيوبت" في الحواسيب الكمومية الحديثة. عندما تتغير حالة اللف المغزلي للنواة، تتغير ميكروسكوبياً الخواص المغناطيسية للذرة، ويصبح هذا التبدّل الحساس الباب الأمثل لبناء تقنيات ثورية في معالجة المعلومات. وبالطبع، كان من الصعب دائمًا رصد هذه التحولات الديناميكية قبل أن تؤثر عليها البيئة المحيطة بالذرة.
بعد أن فهمنا أهمية اللف المغزلي، من المهم أن ندرك التحدي الذي يواجه العلماء في رصده. فمجرد مراقبة حالة نواة الذرة قد يؤدي لتبدّلها أو إرباك النظام. وهنا يبرز ذكاء الفريق البحثي الهولندي من جامعة دلفت للتكنولوجيا، إذ فكروا بطريقة غير مباشرة: فبدلاً من التدخل بالنواة نفسها واستثارتها، استغلوا التفاعل الدقيق بين الإلكترون والنواة (المعروف اصطلاحاً بـ "تأثير البنية الفائقة الدقة") لقياس نبض النواة دون التأثير عليها بشكل مباشر، محافظين بذلك على أصالة الحالة المغناطيسية.
نبض التيتانيوم-49... من النظرية إلى الواقع العملي
ولعل أبرز ما يميز التجربة هو اختيار نظير التيتانيوم-49، الذي اشتهر في أوساط الفيزياء النووية بخواصه المغناطيسية الفريدة وقوة لفه المغزلي. اعتمد الفريق على قياساتٍ على شكل نبضات متقطعة وليس مراقبة مستمرة، إذ يقوم مجهر المسح النفقي بقراءة مستويات الطاقة بفترات متباعدة لمراقبة أي تبدّل مغزلي، متجنّبين بذلك تشويش الأنظمة التقليدية. كانت النتيجة مذهلة: تمكّن العلماء من مشاهدة التبديل الفعلي لحالة النواة المغناطيسية في الزمن الحقيقي، وبدقة وصلت لرصد فترة النبض التي بلغت حوالي خمس ثوان بين كل حركة انعكاسية مغزلية للنواة.
يربط هذا الإنجاز الجديد بين مفاهيم الفيزياء النووية الدقيقة وتطبيقات المستقبل الواعد، ولا سيما الحوسبة الكمومية حيث يصبح التحكم بحالة الكيوبت والدقة في قراءتها عماد التقدم التقني.
نافذة نحو المستقبل: آثار وتطلعات واعدة
ما أبدعه الباحثون لا يُعد مجرد رصد تجريبي، بل فتح بابًا أمام استخدام أنوية الذرات المنفردة كأصغر وحدات تخزين ومعالجة في الحاسوب الكمومي، ذلك أن قدرة المهندسين على قراءة وتحليل تبدلات النواة دون التأثير عليها يمنحهم أدوات جديدة للتحكم الدقيق في المعلومات الكمومية. الوصول لهذا المعيار في قياس اللف المغزلي يعني إمكانية تمهيد الطريق لجيل جديد من أجهزة إلكترونية فائقة الذكاء تستطيع أن تشغّل أو توقف نبض الذرة وفق الطلب.
وهذا يوضح كيف تلتقي تفاصيل عالم الذرة مع التحولات التقنية الكبرى المنتظرة في السنوات القادمة، إذ يمكن أن نشهد تطورًا غير مسبوق في علوم الحوسبة وتخزين البيانات، وكل ذلك بدأ من نبضات خفية داخل نواة التيتانيوم.
في النهاية، تمكن الفيزيائيون أخيرًا من مراقبة نبض الذرة المغناطيسي في الزمن الحقيقي، في إنجاز يؤكد أن الحدود بين العلم والخيال أصبحت أكثر هشاشة. ومع استمرار التقنيات الحديثة في فك أسرار النواة، ربما نرى يومًا أجهزة تعتمد في عملها على مجرد نبضة واحدة من قلب ذرة تضيء درب المستقبل العلمي.