العلماء يكتشفون رابطًا غير متوقع بين خلايا المناعة ونمو الشعر

3 د
كشفت أبحاث أن جهاز المناعة يلعب دوراً مهماً في نمو الشعر.
خلايا T التنظيمية تحفز بصيلات الشعر على التجدد عبر إشارات هرمونية.
الاكتشافات تمهد لتطوير علاجات تستهدف بروتينات معينة لتحفيز نمو الشعر.
هذه الآليات تفتح آفاقاً جديدة لعلاج فقدان الشعر بطرق مبتكرة وفعالة.
بينما يعتقد كثيرون أن جهاز المناعة يقتصر دوره على الحماية من الأمراض، جاءت أبحاث معهد سالك لتثبت أن لهذا الجهاز دوراً أكثر عمقاً في نمو الشعر ذاته. في دراسة منشورة في مجلة “نيتشر إيميونولوجي” مطلع صيف 2022، كشف العلماء عن آلية غير متوقعة تربط بين بعض خلايا المناعة ونمو بصيلات الشعر، ما يسلط الضوء على طريقة عمل العلاجات الحديثة لمرض الثعلبة على المستوى الخلوي.
عندما يبدأ جهاز المناعة في مهاجمة بصيلات الشعر، كما يحدث في حالات الثعلبة، يفقد المريض جزءاً من شعره أو كله. ويبحث العلماء منذ عقود عن أدوات فعالة لكبح الهجمات المناعية وتحفيز الشعر على النمو من جديد. الفريق بقيادة البروفيسور يي تشنغ لاحظ أن نوعاً خاصاً من الخلايا التنظيمية في الجهاز المناعي، المعروفة بخلايا T التنظيمية، تلعب دوراً مفصلياً في إعادة تنشيط بصيلات الشعر بعد تعرّضها للإصابة.
هرمونات وتواصل بين الخلايا: سر خروج الشعرة إلى النور
هذه النتائج لم تظهر فجأة؛ بل بدأت عندما اكتشف الباحثون أن المستقبلات الخاصة بهرمون الجلوكوكورتيكويد توجد بكميات كبيرة على خلايا T التنظيمية في الجلد. هرمونات الجلوكوكورتيكويد معروفة بدورها في تهدئة الالتهاب وتسكين حدة الاستجابة المناعية، لكنها – كما اتضح الآن – ترسل إشارات محددة تحفز تلك الخلايا التنظيمية على إيقاظ الخلايا الجذعية في بصيلات الشعر. هذه الإشارات تنتهي بإنتاج بروتين يسمى TGF-beta3، وهو عامل نمو مسؤول عن دفع الخلايا الجذعية إلى تكوين بصيلات شعر جديدة.
وهنا يكمن الرابط بين علاجات الثعلبة الشائع استخدامها – كالكورتيزون مثلاً – وبين تجدد نمو الشعر. فالأمر لا يتوقف عند خفض الاستجابة المناعية بل يتعداه ليستفيد الجسم فعلياً من خاصية هرمونات الجلوكوكورتيكويد في تحفيز عملية تجديد البصيلات.
استكمل الباحثون تجاربهم بمقارنة فئران تفتقر مستقبلات الجلوكوكورتيكويد في خلاياها التنظيمية بأخرى طبيعية. وبعد أسبوعين من إصابة الجلد وفقدان الشعر، استعادت الفئران السليمة نمو شعرها فيما ظل النمو معطلاً لدى الفئران المعدلة وراثياً. ومن هنا بدأ الفريق بوضع خيوط القصة: لا نمو للشعر دون هذا الحوار الكيميائي بين خلايا المناعة والخلايا الجذعية.
من الجدير بالذكر أن هذه الظاهرة ليست حكراً على الجلد؛ فقد رُصدت آليات مشابهة في أنسجة أخرى مثل العضلات والقلب أثناء فترتي الإصابة والتجدد. وهذا يدعم الفرضية القائلة بأن لجهاز المناعة أدواراً تجديدية تتجاوز تهدئة الالتهاب أو كبح الهجمات المناعية الذاتية، إذ أن تفعيل خلايا T التنظيمية لتحفيز النمو يمكن اعتباره مساراً علاجياً واعداً.
آفاق مستقبلية لعلاج فقدان الشعر
مع كل هذا التقدم في فهم التداخل بين عوالم المناعة وتجديد الأنسجة، أصبح العلماء اليوم أقرب إلى استكشاف علاجات أكثر دقة وفعالية. وتشير النتائج الجديدة إلى إمكانية تطوير أدوية تستهدف بروتين TGF-beta3 تحديداً أو تعديل استجابة خلايا T التنظيمية لمضاعفة فرص نمو الشعر في المستقبل. يحمل هذا في طياته أملاً كبيراً لمن يعانون من فقدان الشعر لأسباب مناعية أو حتى بعد الإصابات الجلدية.
وفي نهاية المطاف، تكشف لنا هذه الدراسة عن تعقيد مذهل في تواصل خلايا الجسم، وتذكرنا بأن جهاز المناعة ليس مجرد درع بل مهندس ذكي يقود عمليات إعادة بناء وتجدد مستمرة. ربما يمكن تعميق الفائدة من هذه النتائج لو ركزنا على استخدام كلمة "تجدد" و"الخلايا الجذعية" بشكل أكثر حضوراً، أو بإدراج جملة تلخص أن العلاج الحديث لا يقتصر فقط على الكبح المناعي، بل يفعّل إمكانيات الجسم الخفية للنمو، فتزداد وحدة النص ويصبح أكثر التصاقاً بذهن القارئ.