العلم يكشف المفاجأة: الديناصورات لم تزأر… بل غردت كالطيور!

3 د
أظهر اكتشاف في الصين أن أصوات الديناصورات كانت أقرب لتغاريد الطيور.
عثر العلماء على هيكل عظمي شبه مكتمل لديناصور "بيولاوسوروس" بحنجرة محفوظة جيدًا.
يشير التشابه مع الطيور إلى أن الديناصورات ربما أصدرت أصواتًا معقدة ومتنوعة.
يدعو الاكتشاف لإعادة فحص الحفريات لتصحيح سوء تصنيف سابق وفهم أعمق للأصوات القديمة.
يغير هذا الاكتشاف فهمنا لتواصل الديناصورات ويدعو لمراجعة التصورات السابقة.
منذ عقود ونحن نشاهد الديناصورات على شاشات السينما تصرخ وتهدر بزئير مخيف يملأ الأفق، لكن يبدو أن الواقع العلمي يحمل مفاجأة كبيرة لعشاق عوالم ما قبل التاريخ. ففي خبر يعيد رسم خيالنا بالكامل، أظهر اكتشاف أحفوري نادر أنّ الديناصورات ربما لم تكن تطلق زئير العصور الجوراسية الشهير، بل كانت أقرب في أصواتها إلى تغاريد الطيور ونقيقها المعروف.
عند الحديث عن هذا الاكتشاف، لا بد أن نُعرّف القارئ بالكشف الفريد الذي توصل إليه فريق من باحثي الأكاديمية الصينية للعلوم في شمال شرق الصين، حيث عثروا على هيكل عظمي شبه مكتمل لنوع جديد من الديناصورات أطلقوا عليه اسم "بيولاوسوروس تشينغلونغ"، تيمناً بتنين صغير من الأساطير الصينية يُشاع عنه إصدار أصوات عالية وقوية. هذا الديناصور العاشب الصغير الذي بلغ طوله قرابة 72 سنتيمتراً يُعدّ من أوائل الزواحف التي يمكن للعلماء أن يتخيلوا أصواتها الأصلية بفضل الحفاظ الاستثنائي على بقاياها، وخصوصاً صندوق الصوت أو الحنجرة.
صندوق الصوت الكنز النادر في حفريات الديناصورات
أهمية هذا الاكتشاف تعود، بشكل رئيسي، إلى العثور على تراكيب غضروفية وأجزاء من الحنجرة محفوظة بحالة ممتازة، وهو أمر نادر للغاية في تاريخ علم الحفريات. فعادة ما تتحلل هذه الأجزاء الرقيقة بسرعة ولا تترك أثراً في السجلات الأحفورية. لكن في هذه الحالة، وجد العلماء صفائح غضروفية مميزة في لسان المزمار تشبه إلى حد بعيد تلك المتواجدة في الطيور الحية اليوم. وهذا يدل على أن التواصل الصوتي عند بيولاوسوروس كان ربما معقداً وتنوع بين الصفير والغناء القصير، أو ما يعرف بتغاريد الطيور، بدلاً من الهدر أو الزئير. هنا يتجلى الرابط الطبيعي؛ إذ لطالما رأى العلماء في الطيور سلالة قريبة للديناصورات، وهذا الاكتشاف يعزز هذا التصور بقوة.
نتيجة للتداخل الدلالي بين صفات الديناصورات والطيور، يقف العلماء اليوم أمام فرضية جديدة حول سلوكيات التواصل عند الديناصورات كانو يتوقعونها لكنهم لم يجدوا دليلاً مباشراً عليها من قبل. ويبدو أن عجزنا عن سماع هذه الأصوات بدقة في الحاضر عائد إلى ضغط جمجمة الديناصور الأحفورية وتشويهها، ما يجعل احتساب الترددات بدقة متعذراً بحسب ما أوضحه الباحثون في تقريرهم.
بالعودة إلى القيمة العلمية لهذا الهيكل، من اللافت أن صندوق الصوت الأحفوري لم يُكتشف سابقاً إلا مرتين فقط في التاريخ: الأولى في ديناصور مدرع بعيد الصلة يُدعى "بيناكوصوروس"، والثانية في هذا النوع الحديث. فرغم الاختلاف الهائل بين نوعيهما والزمن الذي يفصل بينهما بنحو 90 مليون سنة من التطور، إلا أن تشابه تركيب الحنجرة يُشير إلى احتمال انتشار هذا النمط الصوتي بين أنواع متعددة من الديناصورات.
استكمالاً لهذا الخط الدلالي، يضطرنا هذا الاكتشاف لمراجعة الكثير من تصوراتنا عن أشكال التواصل بين الديناصورات. يقترح الباحثون أن قلة وجود مثل هذه الأجزاء في الحفريات إما بسبب هشاشة الغضروف وصعوبة تحجُّره مع الزمن، أو ربما لأن علماء الحفريات الآخرون صنفوا هذه البقايا بشكل خاطئ في المجموعات الأخرى إلى الآن. ولذلك يدعون إلى إعادة فحص العديد من العينات المصنفة مسبقاً لاكتشاف المزيد من الألغاز حول الأصوات القديمة.
وحين نتحدث عن أهمية إعادة النظر في الأحافير، نجد أن التكنولوجيا الحديثة سواء في التصوير أو التحليل الجيني تمنحنا دوماً فرصاً جديدة لفهم الماضي بشكل مختلف، ما يفتح الباب أمام تصورات مستقبلية أكثر دقة حول بيئات وسلوكيات الكائنات التي حكمت الأرض قبل ملايين السنين.
وفي الختام، يبدو أن الروايات السينمائية عن زئير الديناصور ستبقى أسطورة شاعرية في عالم الخيال، بينما يخبرنا العلم أن هذه الكائنات أقرب إلى موجات من النغمات الطيورية الرقيقة وأصوات التواصل الجماعي. يظل الباب مفتوحاً أمام مزيد من الاكتشافات، وربما لو جُمعت الأدلة بشكل أفضل أو ضُبطت بعض المصطلحات المستخدمة في تصنيف الأحافير، سنقترب يوماً من سماع "الأوركسترا" الحقيقية لعصر الديناصورات، مستفيدين من أدوات الربط بين البحوث القديمة والجديدة لتكوين صورة أكثر تكاملاً عن صوت الماضي العتيق.