ذكاء اصطناعي

كيف تتواصل الغابات بسر غامض قبل كسوف الشمس؟

محمد كمال
محمد كمال

3 د

أثبتت دراسة حديثة قدرة أشجار التنوب على التنبؤ بكسوف الشمس بإشارات بيوكهربائية.

الأشجار الأكبر عمراً تُصدر إشارات تحذيرية قبل حدوث الكسوف بوقت طويل.

أكد الباحثون أن الغابة بمثابة نظام اجتماعي مترابط ومعقد.

الدراسة تدعو لاحترام الأشجار المسنة لدورها في نقل "المعلومات البيئية".

تستخدم الأشجار نظام تناغم كهربائي يُشبه الإنترنت الخشبي في نقل الإشارات.

هل تخيلت يوماً أن الأشجار يمكنها "الحوار" أو الاستعداد لمظاهر طبيعية قبل أن تحدث، مثل الكسوف الشمسي؟ هذا الأمر لم يعد من نسج الخيال العلمي، فقد أثبتت دراسة دولية حديثة أن أشجار التنوب في غابات الدولوميت بإيطاليا تملك قدرة مدهشة على التنبؤ بحدوث كسوف الشمس، إذ تقوم بتنظيم إشاراتها البيوكهربائية بشكل متزامن، وساعات قبل حدوث الظاهرة، في تناغم جماعي لا يُصدق.

البداية كانت ضمن تجربة فريدة حين نشر فريق بحث متخصص من معاهد إيطالية وأسترالية وبريطانية نتائجهم في دورية "رويال سوسايتي أوبن ساينس". استخدم العلماء أجهزة استشعار حديثة وثبتوها على عدد من الأشجار لرصد تغييرات الإشارات الحيوية باستمرار. المفاجأة ظهرت عندما لاحظ الباحثون أن الإشارات الكهربائية لم تكن فردية أو عشوائية، بل بدأت موجة تناغمية منظمة ظهرت لدى الأشجار الكبيرة بالعمر أولاً، وتبعها باقي أفراد الغابة كما لو أن هناك "نداءً خفياً" صدر وانتقل بين الكائنات الخضراء.

هذا الجانب يربط بشكل مباشر بين سلوك الأشجار خلال الكسوف ومستوى الذكاء البيئي الخاص بها؛ إذ أصبح واضحاً أن الغابة ليست مجرد تجمع نباتات، بل نظام اجتماعي مترابط شديد التعقيد. الباحثة مونيكا غالليانو أكدت أن استجابة الأشجار ليست سلبية، بل تُظهر مستوى من الاستباق والقدرات الإدراكية يشبه ما تفعله مجموعات من الحيوانات في حالات التهديد أو التغير المفاجئ. ويبدو أن الأشجار الأكبر عمراً تؤدي دور "ذاكرة المكان"، فهي تستبق الحدث وتصدر إشارة الإنذار، محتفظة بخبرات سابقة تُنقل بشكل ما للأجيال الجديدة من الأشجار. هكذا تُصبح بعض الأشجار بمكانة "الحكماء" أو "خزان الخبرة" التي تحمي مجتمعها الأخضر من المفاجآت البيئية.

وحتى نفهم هذا السلوك الغامض، استخدم العلماء تحليلات رياضية متقدمة تعتمد على فيزياء الكم ونظريات تعقيد النظم، ليتأكدوا أن ما يحدث ليس مجرد انتقال مواد أو إشارات عادية عبر التربة أو الهواء. وبدلاً من ذلك، تشير النتائج إلى أن هناك نمطاً من التزامن الكهربائي الخفي (synchronization) ينبض في أوصال الغابة كلها، كما لو أنها مجموعة موسيقية تسير على وتيرة واحدة حين تلوح لحظة استثنائية ككسوف الشمس.

الحديث عن هذه "الشبكة العصبية الخضراء" يعيدنا إلى مفهوم "الإنترنت الخشبي" أو الـ wood wide web الذي يرى الغابة شبكة من الكائنات المتواصلة بلا توقف. الأهمية الحقيقية لدور الأشجار العتيقة صارت محل جدل علمي، فدورها في الحفاظ على استقرار الأنظمة البيئية وحماية التنوع الحيوي يفرض احتراماً جديداً لحمايتها وعدم المساس بها. فكلما زادت أعمار الأشجار، زادت خبرتها في التعامل مع الظواهر المناخية، مما يجعلها بمثابة حافظة للذكريات وللشفرة البيئية الجماعية.

ذو صلة

ومع اتضاح صورة هذا "العقل الجمعي" للغابة، تبرز فرص جديدة لفهم ذكاء النباتات وكيفية تواصلها الخفي. ربما ستغير هذه الرؤية الجديدة طريقة إدارتنا للغابات وحمايتها للأجيال المقبلة، لاسيما إذا علمنا أن الخبراء دعوا إلى احترام أكبر للأشجار المسنة وعدم قطعها لتأثيرها في نقل "المعلومات البيئية" لباقي المجتمع النباتي. وربما من الأفضل في عرض الأخبار العلمية مستقبلاً استخدام مصطلح "التناغم الكهربائي" بدلاً من "المزامنة"، أو تعميق التحليل بمزيد من الشرح حول تقنيات الاستشعار المستخدمة.

بكل بساطة، الغابات ليست هادئة كما نتخيل، بل تخفي في أعماقها تجمعات نشطة من الإشارات والذكريات والاستجابة الفورية، تكشف عن حكمة نادرة تستحق دهشتنا وحمايتنا في آن واحد.

ذو صلة