ذكاء اصطناعي

القلب يفكر أيضًا: 40 ألف خلية عصبية تتحكم بالمشاعر وتتخذ قرارات مستقلة عن الدماغ

محمد كمال
محمد كمال

3 د

يكشف العلم أن للقلب دورًا مهمًا في العواطف والقرارات، وليس مجرد مضخة للدم.

يتكون "دماغ القلب" من 40 ألف خلية عصبية، ويتداخل مع الدماغ في التأثير على المشاعر.

تعزز العادات مثل التأمل والتنفس العميق التوافق بين القلب والدماغ وتزيد من الوعي الحسي.

التوازن بين المنطق والعاطفة، "الذكاء التكاملـي"، ضروري لاتخاذ قرارات حكيمة وإنسانية.

تشير الدراسات إلى أن الذكاء العاطفي أساسي للنجاح ويمكن تحقيقه بالاستماع للقلب والعقل معًا.

في زمن تتسارع فيه الضغوط اليومية وتتزايد وطأة الحياة، يبحث الكثير منا عن طرق فعالة للحفاظ على الصحة النفسية والبدنية والشعور بالإيجابية والثقة. بينما اعتاد البعض على اعتبار عبارة "فكر بقلبك" مجرد رومانسية عابرة، جاءت الأبحاث الحديثة في علم النفس والأعصاب لتفاجئنا بأن القلب ليس مجرد مضخة ميكانيكية، بل يمتلك دوراً ذكياً يتداخل عميقاً مع إدراكنا وقراراتنا وحتى عواطفنا. فهل يمكن أن تقودنا نبضات القلب نحو اتخاذ قرارتنا الكبرى والأصوب؟

يتزايد في السنوات الأخيرة اهتمام العلماء بفهم ما يسمى "دماغ القلب"، وهو مجموعة معقدة من الخلايا العصبية داخل القلب يصل عددها إلى أكثر من 40 ألف خلية عصبية. هذا النظام العصبي ليس مجرد ناقل للمعلومات، بل يستطيع معالجة البيانات والتعلّم واتخاذ قرارات بمعزل عن الدماغ الرئيسي في الجمجمة. الأهم من ذلك أن القلب يرسل إشارات إلى الدماغ أكثر بكثير مما يتلقاه منه، ما يؤثر مباشرة على مناطق التحكم بالمشاعر والانتباه والتنظيم الذاتي. هنا تتبدد الحدود بين الإرادة والعاطفة لصالح فهم أعمق للنفس البشرية.

ويدفعنا هذا الاكتشاف للنظر إلى جذور التطور البشري؛ فأسلاف الإنسان لم ينجوا عبر الإفراط في التفكير، بل عبر شبكة متكاملة من الحدس، تربط الأمعاء والقلب والدماغ معاً لاستشعار الخطر والفرص بسرعة مذهلة. يلعب العصب الحائر، أحد أطول الأعصاب في الجسم، دور الجسر بين القلب والدماغ، منسقاً وظائف التوتر والتنفس وتنظيم المشاعر. ارتفاع "تغير معدل ضربات القلب" مؤشر رئيسي على التمتع بالمرونة العاطفية والقدرة على اتخاذ القرار تحت الضغوط. وهكذا، نجد أن الصحة النفسية ليست نتاج العقل وحده، بل هي ثمرة تناغم أعضاء الجسم معاً.

هذا المسار يقودنا نحو السؤال: هل يمكن الاستفادة عملياً من هذه العلاقة؟ الجواب نعم عبر تدريب النفس على ممارسة التأمل، أو الامتنان، أو حتى التنفس البطيء بتركيز على نبض القلب. مثل هذه العادات اليومية تعزز التوافق بين مناطق التفكير المنطقي في الدماغ ومراكز المشاعر، فتدفع بنا إلى حالة من الانسجام الذهني والجسدي وتجعل تفكيرنا أوضح وأكثر حكمة. وقد أثبتت دراسات معهد HeartMath أن وصول الإنسان لحالة "الاتساق الحيوي" يرفع من جودة اتخاذه للقرارات ويضاعف من شعوره بالراحة الذهنية.

خلف ستار العواطف: القلب والعقل في صناعة القرار
وبينما قد يبدو الجمع بين العقل والقلب أمراً فلسفياً بحتاً، كشفت أبحاث عميقة أن تسليم زمام الأمور للمنطق وحده ينتج عنه قرارات جافة ومنفصلة عن الإنسان، بينما يغرق الاعتماد الكلي على العاطفة في التهور. التوازن أو ما يعرف بـ "الذكاء التكاملـي" هو الطريق الحقيقي نحو سياسة إنسانية وعدالة أعمق وعلاقات أكثر صدقاً وثقة. في علم النفس، أكّد الباحث أنطونيو دامازيو أن المرضى الذين فقدوا القدرة على الشعور العاطفي -رغم احتفاظهم بكامل قدراتهم العقلية التحليلية- لم يستطيعوا حسم أبسط الخيارات اليومية، في دلالة واضحة على أن المشاعر لا تقل شأناً عن التفكير المنطقي في صياغة الرأي الصائب.

انطلاقاً من هذه الحقائق، يتضح أن الطريق لتحسين جودة حياتنا وقراراتنا يبدأ بخطوة صغيرة: لحظة توقف نتنفس فيها بعمق، نراقب بها إشارات الجسد ومشاعر القلب، ونمنح حدسنا فرصة للمشاركة مع العقل. ليست هذه دعوة لتجاوز المنطق، بل لاحتضانه جنباً إلى جنب مع ذكاء الجسد، فالانصات لقلبك قبل اتخاذ القرار صار اليوم حاجة علمية لا مجرد نصيحة مجازية.

ذو صلة

وترتبط هذه الخلاصة العامة بما يطرحه علماء النفس حول أهمية الذكاء العاطفي، الذي صار اليوم مؤشراً أكبر على النجاح بعيد المدى من مؤشر الذكاء العقلي وحده. لذا قد يكون من المفيد أن نتذكر، في المرة القادمة التي يراودنا فيها تردد أمام قرار مهم، أن نسأل أنفسنا: هل يتوافق هذا الخيار مع منطق العقل وإحساس القلب معاً؟

إذاً، التفكير المتوازن بين القلب والعقل ليس وهماً شاعرياً، بل أسلوب حياة عملي يرتكز على أسس بيولوجية وتاريخية عميقة. كلما اقتربنا من نبض قلوبنا واستمعنا بصدق لإشارات أجسادنا، صرنا أكثر قدرة على مواجهة التحديات بحكمة وبصيرة ورحمة مع النفس والآخرين. ولو اخترنا تضييق النبرة أو إضافة عبارة ربط توضح هذا التكامل، لكان المقال أكثر تركيزاً وإقناعاً لمن يفكر في تجربة هذا النمط من الحياة.

ذو صلة