المحيط يبعث إنذارًا خطيرًا… تيارات شمال الأطلسي تنهار

3 د
تيارات المحيط الأطلسي الشمالية تواجه خطر الانهيار، ما يهدد استقرار المناخ العالمي.
نظام الدوران الحراري الملحي مهم لتوزيع حرارة الكوكب ويقترب من نقطة حرجة.
أي انهيار في هذا النظام سيؤثر على أوروبا ويزيد من خطر الفيضانات والجفاف عالميًا.
استمرار انبعاثات الغازات الدفيئة وذوبان الجليد القطبي يُعجّل الأزمة.
جهود عالمية ملحة مطلوبة لتفادي انهيار النظام وتجنب الكوارث المناخية.
في السنوات الأخيرة، بدأ العلماء يوجهون تحذيرات متزايدة بشأن نظام دوران المياه في المحيط الأطلسي المعروف بـ"الانقلاب الحراري الملحي" أو **AMOC**، وهو أشبه بحزام ناقل ضخم ينظم حرارة الكوكب. أبحاث جديدة تكشف أن هذا النظام الحيوي يقترب من نقطة حرجة قد تؤدي إلى انهياره، مع ما يحمله ذلك من تداعيات كارثية على المناخ العالمي وعلى توازن النظم البيئية.
هذا المشهد المقلق هو ما يدفع الخبراء لدق ناقوس الخطر، خاصة أن أي خلل في هذه الدورة البحرية لا يعني تغييرات محلية فحسب، بل يرتبط باستقرار الطقس وارتفاع مستوى البحر وتوزيع أنماط الحرارة في شتى القارات.
ما هو نظام AMOC ولماذا هو مهم؟
نظام AMOC هو شبكة التيارات المحيطية التي تنقل المياه الدافئة من المناطق الاستوائية نحو شمال الأطلسي، وتعيد في المقابل المياه الباردة إلى الجنوب. هذه الحركة المعقدة تعمل بمثابة منظم حراري ضخم يحافظ على اعتدال مناخ أوروبا، ويساعد على توزيع المغذيات والأكسجين في أعماق المحيط. يشرح العلماء أن هذه الدورة تختلف عن التيارات القريبة من الشواطئ التي تتحكم فيها الرياح أو قوى المدّ، إذ إنها أعمق وأبطأ لكنها أكثر حساسية لتغيرات الملوحة ودرجة الحرارة.
ومن هنا يتضح أن أي تغير في هذا التوازن سيؤثر فوراً على استقرار المناخ العالمي ويزيد من هشاشة النظم البيئية البحرية.
إشارات "الارتباك" تثير القلق
دراسات حديثة رصدت ما يشبه "اهتزازاً" في أنماط حرارة شمال الأطلسي، حيث ترتفع وتنخفض بشكل متقلب حول المعدل العالمي. هذا ما يصفه العلماء بأنه علامة اقتراب النظام من "نقطة تحول". عالم المحيطات ستيفان رامستورف أوضح أن كثرة الاضطرابات دليل على أن التيارات فقدت بعضاً من استقرارها، ما يجعلها أقرب للانهيار مع استمرار الضغط المناخي.
ويعني ذلك أن التحذيرات لم تعد مجرد افتراضات نظرية، بل أصبحت احتمالات واقعية يمكن أن تقع في غضون عقود أو أقل حال استمرار انبعاثات الغازات الدفيئة وذوبان الجليد القطبي.
تداعيات عالمية محتملة
إذا انهار نظام AMOC، فإن أوروبا ستصبح في مواجهة شتاءات أشد قسوة، خصوصاً في شمال القارة مثل إيرلندا والدول الإسكندنافية، بينما قد يزداد خطر الفيضانات والجفاف في مناطق أخرى. العلماء يحذرون أيضاً من أن مستويات البحر قد ترتفع أسرع من التقديرات الحالية، ما يفاقم التهديد على السواحل والمدن الساحلية حول العالم.
وبالإضافة إلى آثار المناخ، فإن الحياة البحرية ستتضرر بشكل جسيم بفعل اضطراب تدفق الأكسجين إلى أعماق المحيط، وهو ما سينعكس على الثروة السمكية وسلاسل الغذاء البحرية. والأمر لا يقتصر على أوروبا وحدها، بل إن ارتدادات الانهيار قد تصل حتى نصف الكرة الجنوبي، وفقاً للأبحاث الحديثة.
وما يزيد خطورة الوضع أن تجارب سابقة في تاريخ الأرض تكشف أن مثل هذه التغيرات الجذرية أدت في الماضي إلى تحولات واسعة النطاق في المناخ العالمي.
نافذة الفرصة تضيق
رغم أن الانهيار الكامل لم يحدث بعد، إلا أن الخبراء يجمعون على أن الوقاية باتت مسألة ملحّة. اتفاقية باريس للمناخ تُعتبر حالياً أبرز الأدوات الدولية لتقليص المخاطر، عبر الحد من ارتفاع حرارة الأرض إلى ما دون درجتين مئويتين. التمسك بالتزامات الدول بهذا الاتفاق يمكن أن يقلص احتمالات تجاوز "نقطة اللاعودة".
لكن، وإذا استمر التباطؤ في تقليص الانبعاثات، فقد يصبح تفادي الانهيار شبه مستحيل، ما يعني الدخول في مرحلة من الاضطرابات المناخية غير المسبوقة التي ستغيّر وجه العالم لعقود قادمة.
الخاتمة
التحذيرات التي يطلقها العلماء اليوم بشأن التيارات الأطلسية العميقة ليست مجرد سيناريو مستقبلي بعيد، بل مؤشر على تغيرات واقعية بدأت ملامحها بالظهور. إن الحفاظ على استقرار مناخ الأرض يتطلب تحركاً عالمياً سريعاً وجاداً، لأن نافذة الفرصة ما زالت موجودة لكنّها تضيق يوماً بعد يوم.