الميتوكوندريا تكشف السر… لماذا نشعر بالحاجة الضرورية للنوم؟

3 د
النوم ليس فقط للراحة بل لصيانة الطاقة في خلايا الدماغ.
الميتوكوندريا تولّد طاقة وتسبب إشارات النوم عند اختلال التوازن.
يرتبط عمل الميتوكوندريا بجودة النوم والصحة العامة وعمر الإنسان.
تحكم العلماء بساعات النوم عبر تعديل طاقة خلايا الدماغ.
النوم يساعد في حماية الدماغ من التلف عبر إدارة مستويات الجذور الحرة.
هل تساءلت يوماً لماذا نشعر بهذا الدافع الشديد للنوم كل ليلة؟ ربما تعتقد أن جسدك يبحث فقط عن الراحة الذهنية، لكن بحثاً جديداً يحمل مفاجأة مذهلة: النوم ليس مجرد استراحة للعقل، بل هو ضروري لصيانة وحدات توليد الطاقة في خلايانا، أي الميتوكوندريا.
يشير بحث أجرته جامعة أكسفورد، ونُشر مؤخراً في دورية "Nature"، إلى أن الرغبة في النوم تنشأ من ضغط كهربائي يتراكم داخل ميتوكوندريا خلايا الدماغ. هذه الميتوكوندريا مسؤولة عن تحويل الغذاء والأكسجين إلى طاقة نقية يستعملها المخ والجسم في كل لحظة يقظة. يتحدث الفريق البحثي بقيادة البروفيسور جيرو مييزنبوك والدكتور رافاييل ساراناتارو عن أن الخلل في توازن الطاقة داخل هذه الميتوكوندريا يولد إشارات تحثنا على النوم، ومن هنا تأتي العلاقة الوثيقة بين النوم وعملية الأيض الخلوي.
ولكي نفهم كيف يحدث ذلك، علينا أن نتعمق قليلاً داخل عالم الخلايا العصبية في الدماغ. عندما تمتلئ الميتوكوندريا بالطاقة لحد كبير وتزيد شحنتها، تبدأ في تسريب الإلكترونات. هذا التسرب لا يمر دون تبعات، إذ يؤدي إلى إنتاج جزيئات نشطة تعرف باسم "الجذور الحرة" أو "الجزيئات المؤكسدة الضارة"، وهي مركبات يمكن أن تسبب ضرراً لخلايا الدماغ إن لم يتم التخلص منها. هنا يظهر النوم كآلية دفاعية: كأنه جهاز فصل دائرة كهربائية يقيس هذا التسرب ويقرر متى علينا “إعادة التشغيل” لحماية الجهاز العصبي من الإرهاق والتلف. هذا يربط بين آليات الطاقة الدقيقة في الميتوكوندريا وبين الشعور الغامر بالحاجة إلى النوم عندما تزداد هذه الضغوط الداخلية.
الرابط بين الأيض، النوم، وعمر الإنسان
ينعكس هذا الاكتشاف بشكل لافت عند مقارنة الكائنات الحية. فالحشرات مثل ذباب الفاكهة، التي استخدمها فريق أكسفورد للدراسة، تستهلك الأكسجين بمعدل مرتفع وتنام لفترات طويلة مقارنة بحجمها – لكنها أيضاً تعيش أعماراً أقصر نسبياً. الأمر ذاته يُرى عند البشر الذين يعانون من أمراض في الميتوكوندريا، إذ يشعرون إنهاكاً دائماً حتى دون جهد، ما يوضح جزئياً الرابط بين طاقة الخلايا وجودة النوم والإحساس العام بالصحة.
ومن الجدير بالذكر أن العلماء تمكنوا خلال التجارب من التحكم بعدد ساعات النوم ببساطة من خلال تعديل طريقة تعامل الميتوكوندريا في خلايا عصبية مسؤولة عن النوم مع الطاقة. بل المذهل أكثر، أنهم استطاعوا التأثير على هذه العملية باستخدام الضوء لتعويض الإلكترونات، بما أكد أن توازن الطاقة هو جوهر الرغبة بالنوم. وانطلاقاً من ذلك، يمكن ربط أي تغير في جودة النوم أو مدته، ليس فقط بمقدار النشاط أو الضوء في محيطنا، بل أيضاً بكفاءة عمل الميتوكوندريا لهذه الخلايا الدقيقة جداً.
وفي ظل ذلك، يتضح كيف يرتبط العمل الدؤوب للميتوكوندريا يومياً مع العمر الافتراضي للأحياء، ومعروف أن الحيوانات الصغيرة التي تستهلك الطاقة بسرعة، تميل للنوم لفترات أطول لكنها تعيش أقل. ومع تزايد المعرفة عن دور الجذور الحرة، يبدأ العلماء في فهم أعمق لعلاقة النوم بالحماية من الأمراض التنكسية وتقدم السن.
في الختام، يبدو أن إجابة السؤال الأزلي: "لماذا نحتاج إلى النوم؟" باتت أكثر وضوحاً الآن؛ فقدّر النوم هو انعكاس لطريقة خلايا أجسامنا في التعامل مع الطاقة وتخفيف الضغوط الداخلية قبل فوات الأوان. ولا شكّ أن توضيح مثل هذه التفاصيل العلمية يفتح الباب لتطوير استراتيجيات جديدة لتحسين جودة النوم ومعالجة اضطراباته، وقد يكون من المفيد أحياناً استخدام تعبير “صيانة الميتوكوندريا” بدلاً من مجرد “راحة العقل” عند الحديث عن النوم، كما يمكن تعزيز الجانب التفسيري بإضافة جمل تربط بين الصحة العامة وجودة النوم. كل ذلك يثبت أن النوم ليس رفاهية، بل هو حاجة خلوية ملحّة من أجل إعادة توازن الجسد والعقل.