ذكاء اصطناعي

النسور والضباع: أبطال البيئة المجهولين الذين يحمون صحتنا مهددين بالانقراض!

فريق العمل
فريق العمل

3 د

تلعب النسور والضباع دور "عمال النظافة الطبيعيين" من خلال التخلص من الجيف.

تراجع عدد النسور وحيوانات القمة يؤكد أهمية دورها في التوازن البيئي والصحة.

تراجع النسور في الهند أدى لزيادة انتشار داء الكلب بسبب الكلاب البرية.

الأنشطة البشرية تتسبب في تدهور الموائل الطبيعية وانتشار الجرذان، ما يزيد المخاطر الصحية.

حماية هذه الحيوانات مهمة وضرورية للحفاظ على بيئتنا وصحتنا.

للوهلة الأولى، قد لا تبدو النسور والضباع حيوانات لطيفة تجذب اهتمامنا. لكن الحقيقة أنها تلعب دوراً حيوياً كبيراً لنا وللبيئة بشكل عام. فالحيوانات مثل النسور تُعتبر بمثابة عمال نظافة طبيعيين، تقوم بالتخلص من بقايا الحيوانات الميتة، مما يمنع انتشار الجراثيم والبكتيريا بأعداد خطيرة.

لكن ما يثير القلق اليوم هو التراجع المقلق في أعداد النسور وحيوانات القمة الغذائية التي تعمل بالتنظيف الطبيعي للبيئة. فوفقاً لدراسة نُشرت في مجلة Proceedings of the National Academy of Sciences، فإن حوالي 36٪ من هذه الكائنات المهمة أصبحت اليوم مهددة أو في تراجع كبير. وحذر الباحثون من أن هذه الظاهرة ليست ببساطة أزمة بيئية، بل يمكن أن تتحول إلى كارثة صحية خطيرة بالنسبة للإنسان.

وقال البروفيسور رودولفو ديرزو الباحث الرئيسي في الدراسة والأكاديمي المتخصص في علوم البيئة بجامعة ستانفورد: \"هناك صورة شائعة تنتشر بأن هذه الحيوانات مثل النسور والضباع هي مخلوقات سيئة وقذرة، وأن التخلص منها أفضل. لكننا في الواقع بأمسّ الحاجة لها ليس فقط من أجل توازن الأنظمة البيئية، بل تحديداً من أجل صحتنا كبشر.\"

هذا يعيد إلى الأذهان ما حدث في الهند خلال تسعينيات القرن الماضي، عندما تراجعت أعداد النسور بشكل ملحوظ نتيجة استخدام دواء ديكلوفيناك لعلاج المواشي. ومع غياب النسور وتراكم بقايا الحيوانات، ازداد وجود الكلاب البرية التي انطلقت في التكاثر. وزادت التوقعات بنحو 39 مليون حالة عضة كلب، وأكثر من 48 ألف حالة وفاة بسبب مرض داء الكلب في الفترة ما بين عامي 1992 و2006. ولم يتحسن الوضع حتى قامت السلطات الهندية بحظر الدواء وبدأت أعداد النسور في التعافي.

وهذا يدفعنا إلى طرح سؤال بالغ الأهمية: ما هي التبعات الصحية الأخرى التي قد تنتج عن فقدان هذه الحيوانات المهمة؟ للإجابة عن ذلك، قام الباحثون في هذه الدراسة الأخيرة بتحليل 1376 نوعاً من الحيوانات التي تقوم بدور التنظيف الطبيعي، تضم كائنات مثل النسور والضباع والنمور وحتى السلاحف البرية. واستعان الباحثون بمعطيات الاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة (IUCN) وبعض الدراسات السابقة التي تناولت تدهور البيئات الطبيعية وأثرها على تراجع أعداد هذه الحيوانات.

وكانت النتائج واضحة: هناك تدهور خطير بنسبة تتخطى الثلث في العديد من الدول، وهذا ناجم عن عوامل أبرزها فقدان الموائل الطبيعية، الزراعة المكثفة، وتجارة الحيوانات البرية. والمقلق أكثر أن الأنواع الصغيرة مثل الجرذان بدأت تنتعش وتنتشر بكثرة بسبب نقص وجود لاحمات كبيرة تتغذى عليها، وهو ما يزيد من المخاطر الصحية، لأن هذه الكائنات الصغيرة لا تتمكن من التخلص الكامل من بقايا الحيوانات، بل هي نفسها قد تكون مصدراً ناقلاً للأمراض.

ذو صلة

واليوم، يموت ملايين الأشخاص حول العالم سنوياً بسبب الأمراض التي تنتقل من الحيوانات للبشر (الأمراض الحيوانية المنشأ)، وهو تهديد سيزداد حدة إذا واصلنا فقدان هذه الحيوانات الحيوية. ولذلك يؤكد المشرفون على الدراسة بأن حماية هذه الكائنات بات ضرورة وليست رفاهية، وأن على الحكومات أن تنتبه وتُعالج الأسباب التي تؤدي لانخفاض أعداد هذه الحيوانات، من خلال حماية البيئات الطبيعية والتوازن البيئي، والتوقف عن الاستخدام المفرط للمواد الكيميائية والأدوية الضارة.

ختاماً، إن إدراكنا أهمية هذه الحيوانات التي كثيراً ما يُساء فهمها أصبح أمراً ضرورياً. وربما من الأجدر استبدال وصف النسور والحيوانات المشابهة «بالقذرة» بـ«عمال النظافة الطبيعية»، لتعزيز فهمنا وتقديرنا لدورها البيئي والصحي الهائل. فالوعي بهذه العلاقة المتينة بين صحتنا وبين هذه الكائنات قد يكون بداية الطريق لحمايتها وبالتالي حماية أنفسنا.

ذو صلة