الهيليوم-3… الكنز الفضائي الذي قد يغير ميزان القوى العالمي!

4 د
الهيليوم-3 على القمر يثير الاهتمام كمصدر طاقة نظيفة لا تنضب.
تخطط شركة "إنترلون" الأمريكية لاستكشاف الهيليوم-3 بالقمر كوقود للاندماج النووي.
تمثل التحديات التكنولوجية والتمويل العقبة الرئيسية أمام إنجاح مشروع التعدين الفضائي.
التعاون مع شركات كبرى مثل "فيرميير" و"سبايس إكس" قد يسهم في خفض تكاليف البحث.
رائد الفضاء السابق، هاريسون شميت، يدعم المشروع ويعكس طموحات استكشاف الفضاء.
وسط سباق عالمي محموم لتأمين مصادر طاقة متجددة ومستدامة، يسطع اسم عنصر نادر قد يغير وجه الحياة على الأرض: الهيليوم-3، ذلك الغاز الفريد الذي يعتقد أنه يتواجد بوفرة فقط على سطح القمر. شركات الفضاء الناشئة أخذت تتسابق لرسم خارطة جديدة للطاقة والتكنولوجيا، وكل الأنظار تتجه إلى مشروع واعد تقوده شركة "إنترلون" الأمريكية، التي تحلم بأن يكون الهيليوم-3 هو بوابة البشرية لطاقة نقية لا تنضب.
منطقة فراغ جديد: لماذا الهيليوم-3 ثمين للغاية؟
في البداية، قد تتساءل: ما الذي يجعل الهيليوم-3 مميزاً هكذا؟ الحقيقة أن هذا النظير النادر للهيليوم شبه معدوم على كوكب الأرض، ويباع بمبالغ فلكية قد تصل إلى 19 مليون دولار للكيلوغرام الواحد. له تطبيقات حيوية في مجالات حساسة، منها أنظمة كشف النيوترونات المخصصة لحماية الحدود من التهديدات النووية، وأيضاً لتبريد الحواسيب الكمومية التي طورتها شركات عملاقة مثل غوغل وأمازون وIBM. الأكثر إثارة، أن العلماء يرونه وقوداً مثالياً لتفاعلات الاندماج النووي النظيف، والذي يمكن أن يفرز طاقة هائلة بلا نفايات مشعة تقريبًا. هذا ما جعل الهيليوم-3 أحد أحلام العلماء لتحقيق ثورة في الطاقة.
مما لا شك فيه أن القمر يمثل خزاناً محتملاً لهذا العنصر النادر، فسطحه تعرض لمليارات السنين من الرياح الشمسية التي أغنته بذرات الهيليوم-3 بتركيزات تفتقر إليها الأرض. وهنا يأتي دور شركة إنترلون، التي تؤمن أن القيمة الكبيرة لهذا الغاز مقارنة بوزنه، تجعل منه الخيار الأنسب لمحاولة أولى في قطاع التعدين الفضائي الناشئ. وهذا يلخص كيف تتقاطع المصالح العلمية والتجارية في سباق استكشاف الفضاء اليوم.
المهمة القمرية: استثمار ضخم وتحديات تكنولوجية
ولكي يصبح ذلك الحلم حقيقة، تعتمد "إنترلون" على آلات ذاتية القيادة صممتها بالتعاون مع شركة فيرميير، تشبه من حيث الحجم سيارة كهربائية صغيرة، ولكنها تعمل مثل حصّادة زراعية متطورة. هذه المركبة المبتكرة مُبرمجة لجمع وتنقية تربة القمر، وعبر نظام حلزوني خاص، يمكنها التكيف مع الجاذبية القمرية المنخفضة، مما يمنحها القدرة على العمل بكفاءة عالية في ظروف غير أرضية.
لكن الطريق مليء بالصعوبات. تربة القمر المتشققة والحادة قد تلتهم المعدات وتسبب أعطالاً، علاوة على الفوارق الحرارية الحادة التي تتراوح بين درجات حرارة مرتفعة جداً نهاراً وانخفاضات قياسية ليلاً. هنا يدخل الذكاء الهندسي لإنترلون، التي ابتكرت نظام تقطير شديد البرودة يفصل الغازات النادرة عند درجات حرارة تصل إلى ما دون 240 درجة مئوية تحت الصفر. هذه التقنيات ليست مجرد أفكار على الورق؛ فالشركة حصلت بالفعل على تمويلات تتجاوز 18 مليون دولار، ووقعت عقود شراكة مبكرة مع شركات وجهات حكومية، وجعلت من 2029 موعداً لإطلاق أول معدة لاختبار عملها على سطح القمر. وهذا يوضح الرهان الكبير الذي تضعه الشركات الناشئة على تقنيات التعدين خارج الأرض.
اقتصاديات التعدين الفضائي: فرصة أم مغامرة؟
لعل أكثر الأسئلة تداولاً تدور حول جدوى التعدين الفضائي. فحسب المدير التنفيذي لإنترلون، ليست كلفة تصنيع المعدات هي العقبة الأكبر، بل تكمن الصعوبة الحقيقية في تكاليف إيصال هذه الأنظمة المعقدة إلى سطح القمر نفسه. التعويل هنا على مركبات الإطلاق الضخمة مثل "ستارشيب" من سبايس إكس، والتي يفترض أن تخفض تكاليف النقل الفضائي بشكل جذري. في الوقت ذاته، تدرس الشركة خيارات بديلة مثل مركبة الهبوط القمرية لشركة بلو أوريجين، رغم أن ذلك قد يتطلب عمليات إطلاق متكررة بتكلفة أعلى.
وتتقاطع هذه التوقعات مع ضرورة توفير مصادر دخل مبكرة. إنترلون بدأت بالفعل بتسويق تقنيات التقطير التي قامت بتطويرها لشركات الغاز الطبيعي، حيث يمكن من خلالها استخراج الهيليوم-3 بكميات صغيرة من مصادر أرضية. كما تبيع الشركة مواد تحاكي التربة القمرية محقونة بالغازات إلى شركات الفضاء والوكالات للتجارب والاختبارات، ما يدل على أن الشركة تحاول تحويل التقنيات الوسيطة إلى أرباح، لضمان استدامة مشروعها حتى بدء العمليات القمرية الفعلية.
روح الريادة العلمية تحت إشراف أسطورة أبولو
وربما أكثر ما يمنح إنترلون مصداقية وثقلاً تاريخياً هو انضمام هاريسون شميت، رائد فضاء أبولو 17 وأول جيولوجي مشى على سطح القمر، كرئيس تنفيذي للشركة. شميت كان من أوائل المدافعين عن دور الهيليوم-3 في حل مشاكل الطاقة العالمية، وما زال يؤمن بقدرة الموارد القمرية على فتح أبواب عصر صناعي جديد خارج كوكب الأرض. هذا يجعل من حلم التعدين الفضائي امتداداً حقيقياً لروح استكشاف الفضاء وشغف العلماء بوضع حلول كبرى عبر الابتكار والإقدام.
باختصار، يلخص مشروع إنترلون جسراً متيناً بين الطموحات الصناعية والبشرية. وبينما تظل الكثير من التحديات قائمة، يبدو أن رهان الهيليوم-3 قد يدفع البشرية نحو عصر جديد من الطاقة والقدرة التكنولوجية، رابطاً بين ثروات القمر ومستقبل الأرض بشكل غير مسبوق.