باحثون يحققون إنجازًا طبيًا: كبد جديد ينمو داخل جسم المريض

4 د
تطورت "لايجينيسس" علاجًا لزراعة كبد مصغر داخل جسم المريض لمواجهة نقص المتبرعين.
يتم استخدام العقد اللمفاوية كموقع آمن لتعزيز نمو خلايا الكبد السليمة.
الطريقة الجديدة تُعتبر أقل توغلاً وأسرع من الجراحة التقليدية بزراعة الكبد.
نجحت التجارب على الحيوانات وأظهرت نتائج واعدة لتحسين معدلات البقاء.
هذا الابتكار يمهد لاستخدام التقنية في معالجة أمراض أخرى مستقبلًا.
تخيّلوا أن هناك علاجًا جديدًا يُمكّن الأطباء من زراعة كبد بديل مصغر مباشرة داخل جسم المريض، بدلاً من انتظار فرصة نادرة في قائمة زراعة الأعضاء. يبدو وكأنه لقطة من أفلام الخيال العلمي، إلا أن هذا الابتكار أصبح واقعًا بفضل شركة التقنية الحيوية الأمريكية "لايجينيسس" التي بدأت اختبار طريقة جديدة لعلاج مرضى الكبد في مراحله النهائية من خلال حقن خلايا كبد سليمة في العقد اللمفاوية.
في محاولة لمواجهة أزمة نقص المتبرعين بالأعضاء حول العالم، طورت "لايجينيسس" علاجًا يعتمد على الاستفادة من العقد اللمفاوية - تلك الهياكل الصغيرة المنتشرة في الجسم والتي نعرفها غالبًا عندما تتورم أثناء الزكام - لتحويلها إلى مكان آمن ومغذٍ لنمو خلايا الكبد السليمة وتكوين كبد مصغر قادر على تولي مهمة تنقية الدم من السموم.
وهذا يواكب حاجة المجالات الطبية لعلاجات جديدة تتخطى القيود التقليدية التي تواجه عمليات زراعة الكبد، خاصة مع وفاة ما يقرب من مليونَين شخص سنويًا بسبب الفشل الكبدي في العالم.
كيف تتحول العقد اللمفاوية إلى حضانة لأعضاء جديدة؟
عملية العلاج الجديدة بدأت بوصفها جزءًا من دراسة سريرية من المرحلة الثانية، تهدف لفحص فعالية وأمان حقن خلايا الكبد في عقد لمفاوية واقعة في البطن باستخدام تقنية التصوير بالأمواج فوق الصوتية والتنظير الداخلي. هذه الطريقة تعتبر طفيفة التوغل مقارنة بالجراحة التقليدية لزراعة الكبد، إذ يُدخل أنبوب رفيع عبر الفم وصولًا إلى موقع الحقن، ما يخفض المخاطر ويسرّع فترة تعافي المريض.
وقد أظهرت تجارب سابقة على الفئران والكلاب والخنازير نتائج مشجعة، حيث نمت خلايا الكبد المزروعة في العقد اللمفاوية لتكوّن هياكل شبيهة بالكبد الطبيعي، وأسهمت في تحسين معدلات البقاء على قيد الحياة مقارنة بالحالات غير الخاضعة للعلاج. ومن اللافت أيضًا أن استخلاص خلايا من متبرع واحد يمكن أن يفيد عدة مرضى، ما يضاعف أثر التبرع.
هذه النتائج المبكرة تفتح آفاقًا جديدة، ليس فقط لمرضى الفشل الكبدي، بل ربما لاحقًا لزراعة أنسجة وأعضاء أخرى مثل خلايا البنكرياس لمرضى السكري أو حتى خلايا الكلى لمرضى القصور الكلوي.
ولأن العقد اللمفاوية أماكن معروفة بتحفيز نمو الخلايا، فهي بيئة مثالية لتكاثر خلايا الكبد المزروعة مقارنة بمحاولة إصلاح الكبد التالف مباشرة، حيث يصعب نمو الخلايا الجديدة بسبب الالتهابات والسموم.
انطلاقًا من تجارب الحيوانات إلى الإنسان، يربط العلماء بين فهم الطريقة التي تحتضن بها العقد اللمفاوية الخلايا المناعية وبين احتمالية تطويعها لنمو أنسجة معقدة قادرة على القيام بوظيفة عضو كامل.
تحديات ومخاوف على طريق العلاج
لكن، وعلى الرغم من هذه الإنجازات، ما زالت هناك أسئلة عديدة تنتظر الإجابة. فالعلماء يراقبون احتمالية نمو الكبدات المصغرة بأحجام غير متوقعة أو خارج السيطرة وفق استجابة الجسم الكيميائية. بالإضافة إلى ذلك، يتطلب زرع الخلايا تناول أدوية قوية لتثبيط المناعة، ما قد يطرح مخاطر أو تداخلات غير محسوبة بعد.
هنا يبدو من الضروري اختيار الجرعة المثالية من الخلايا وعدد العقد اللمفاوية المناسبة، وهو ما ستختبره الدراسة عبر حقن حتى خمس عقد لكل مريض لمعرفة الحد الذي يتحقق عنده التوازن بين الفاعلية والأمان.
ومع ذلك، يعزز نجاح التجارب الحيوانية والدليل الأولي على أمان الطريقة لدى أول مريض بشري آمال المرضى في العالم، ويوجّه أعين الأطباء نحو تبني حلول مبتكرة خارج إطار العمليات الجراحية الكبرى، ويحث المعنيين على تطوير علاجات مستقبلية تعتمد فكرة "حضانات الأعضاء" لتحسين جودة الحياة وإنقاذ الأرواح.
طموحات أوسع لمستقبل الطب التجديدي
وربطًا بكل ما سبق، إذا نجحت هذه التجارب، فقد يمتد تطبيق التقنية إلى معالجة أمراض السكري أو القصور الكلوي أو حتى مكافحة الشيخوخة في المستقبل باستخدام نفس الحل المبتكر. فهدية العلم هنا ليست فقط في علاج حالات ميؤوس منها، بل في رسم ملامح عهد جديد يتعامل فيه الطب مع الجسم كبنيةٍ مرنة قابلة للإصلاح والتجديد من الداخل.
وفي الختام، توضح قصة "الكبد الصغير" هذا الطموح المتزايد لدى قطاع التقنية الحيوية لتجاوز الحدود التقليدية، وتحويل العقبات مثل نقص الأعضاء ورفض الجسم لها إلى فرص للابتكار. ولعل استخدام كلمة "الخلايا الحاضنة" بدلاً من "العقد اللمفاوية" في بعض المقاطع يمنح النص سلاسة أكبر، كما أن توسيع الشرح حول استراتيجيات التثبيط المناعي أو الربط بشكل أوضح بين الفكرة العلاجية وسبل تطبيقها في أمراض أخرى يثري الموضوع ويعمق فائدته للقارئ. يبقى الأمل أن تثمر هذه الجهود عن انطلاقة جديدة للطب التجديدي تُعيد الأمل لملايين المرضى حول العالم.