باحثون يصنعون هيدريد الذهب لأول مرة تحت ظروف ضغط وحرارة استثنائية

3 د
نجح باحثون في مختبر SLAC في تصنيع أول "هيدريد الذهب" تحت ظروف ضغط وحرارة قاسية.
بدأ الاكتشاف خلال دراسة تكوّن الألماس من الهيدروكربونات باستخدام خلية سندان الماس.
لوحظ لأول مرة أن الهيدروجين يدخل في تفاعل مع الذهب في حالة "فوق الأيونية".
يساعد هذا الإنجاز في فهم تفاعل العناصر تحت ظروف تشبه باطن الكواكب أو النجوم.
هل تخيلت يومًا أن الذهب، هذا المعدن النفيس المعروف بعدم تفاعله، يمكنه أن يشكّل مركبًا مع الهيدروجين في أعماق مختبرات العلماء؟ حملت لنا الأيام الماضية خبرًا مثيرًا من مختبر المسرّع الوطني SLAC الأمريكي، حيث استطاع فريق دولي بقيادة باحثين هناك صناعة مركب "هيدريد الذهب" الصلب – وهو مركب يتكون فقط من ذرات الذهب والهيدروجين – وذلك لأول مرة في التاريخ، وتحت ظروف ضغط وحرارة استثنائية.
عند الحديث عن هذا الكشف الثمين، نكتشف أن الطريق إليه لم يكن مباشرًا. فقد كان الباحثون في الأصل يدرسون تكوّن الألماس من الهيدروكربونات، وهي مركبات من الكربون والهيدروجين، أثناء تعرضها للضغط والحرارة داخل أداة تدعى "خلية سندان الماس" في منشأة الليزر الإلكترونية الأوروبية XFEL. كان وجود شريحة ذهب ضمن العينات لدور تقني بحت: امتصاص الأشعة السينية. لكن المفاجأة وقعت عندما لاحظ العلماء ليس فقط تشكل الألماس بل ظهور تركيبات جديدة في نتائج حيود الأشعة السينية، اتضح لاحقًا أنها تشير إلى تشكل "هيدريد الذهب". وهذا الكشف وضع الذهب، المعروف بجموده الكيميائي، في قلب مركب غريب لا يظهر إلا في تلك الظروف القاسية التي تحاكي أعماق الكواكب أو نجوم الاندماج النووي.
وزيادة في الدهشة، وجد الفريق أن الهيدروجين المتفاعل مع الذهب لم يكن بالحالة المعتادة، بل بالوضعية "فوق الأيونية"؛ أي أن ذرات الهيدروجين تدفقت بحرية عبر الشبكة الصلبة لذرات الذهب، وهو ما عزز موصلية المركب بشكل كبير. من المعروف أن دراسة الهيدروجين بتقنيات الأشعة السينية أمرٌ شاق بسبب خفة وزنه وضعف تشتته. لكن هنا، شكّل الذهب الثقيل رفيقًا مثاليًا للهيدروجين، ما سمح بقياس أدق لتداخلاتهما. هذا ليس مجرد سبق علمي في الكيمياء، بل نافذة جديدة لفهم كيف تتغير قواعد التفاعل بين العناصر عندما تختلط درجات الحرارة العالية بالضغوط الهائلة – وهي ظروف قلما نجدها إلا في باطن الكواكب العملاقة أو في لب النجوم.
تُوضح أهمية هذا الإنجاز من خلال ارتباطه المباشر بكيمياء الكواكب الغامضة وعمليات اندماج الهيدروجين في النجوم. إن دراسة الهيدروجين الكثيف داخل مركبات مثل هيدريد الذهب توفر قاعدة علمية لاكتشافات قد تساعدنا في استكشاف أسرار المشتري وزحل، وإعادة إنتاج ظروف الاندماج النووي في معامل الأرض. كما تشبر الدراسات أن المركب يصمد فقط عندما تستمر الظروف القاسية، إذ ينفصل الذهب والهيدروجين عند عودتهما لدرجات ضغط وحرارة طبيعية. بل وتشير الحسابات النظرية إلى أنه كلما زاد الضغط، صار بإمكان شبكة الذهب استيعاب مزيد من ذرات الهيدروجين.
الرؤية المستقبلية: كيمياء جديدة في متناول العلماء
ولأن النجاحات العلمية تحمل دائمًا مفاتيح لآفاق أوسع، يرى قائد الدراسة في مختبر SLAC أن إطار المحاكاة الحسابية المستخدم هنا يمكن تبنيه لاكتشاف حالات أخرى غريبة للمادة تحت أقسى الظروف. هذا لا يقتصر فقط على الذهب، بل يمكن توسيعه لدراسة هيدريدات ومواد سيأتي دورها بالكشف في أعوام قادمة. لذا، فإن توليف هيدريد الذهب الصلب لم يكن هدفًا بحد ذاته فحسب، بل انطلاقة لعصر جديد في استكشاف خصائص الأنظمة الذرية فائقة الكثافة.
في ختام هذا الحدث، تبدو الكيمياء من جديد علمًا مليئًا بالمفاجآت. إذا شئنا المزيد من الدقة، كان بإمكاننا استبدال بعض تعبيرات القوة بمفردات أدق مثل "اندماج" بدل "تفاعل"، أو إعادة الربط بين النجاحات المخبرية والاستكشافات الفضائية بجملة إضافية تربط تطور نظريات المواد بالتطبيقات العملية للطاقة. لكن الأهم هنا أن أبواب الغرابة باتت مفتوحة على مصراعيها أمام عقول العلماء، وها هو الذهب يثبت مجددًا أنه ليس فقط خزينة للثروات، بل بوابة لأسرار كونية عميقة.