ذكاء اصطناعي

باحثون ينجحون في تخفيف الذكريات السلبية عبر تعزيز الذكريات الإيجابية أثناء النوم!

محمد كمال
محمد كمال

3 د

نجح الباحثون في تخفيف الذكريات السلبية عبر تعزيز الذكريات الإيجابية أثناء النوم.

تضمنت الدراسة ربط الكلمات السلبية بصور إيجابية لتهدئة التأثير السلبي.

أظهرت النتائج انخفاضًا في قدرة المشاركين على استرجاع الصور السلبية.

قد يؤدي هذا النهج إلى علاجات جديدة لاضطرابات ما بعد الصدمة والقلق.

كثيراً ما يتمنى الإنسان لو استطاع محو ذكريات مؤلمة أو تجارب سلبية ألقت بظلالها على صحته النفسية. اليوم، يبدو أن هذا الحلم أصبح أقرب للواقع مع توصل فريق من العلماء الى طريقة مبتكرة تضعف وقع الذكريات المؤلمة عبر ربطها بتجارب إيجابية أثناء النوم، ما يمهد لآفاق علاجية جديدة لمشاكل مثل اضطراب ما بعد الصدمة والقلق.

في هذه الدراسة، التي أُجريت بمشاركة 37 متطوعاً، اشترط الباحثون عليهم أولاً ربط كلمات عشوائية بصور سلبية، مثل مناظر الجروح أو الحيوانات المفترسة، بهدف صناعي لذاكرة منفّرة. بعد ذلك بيوم، جرى تقديم نصف هذه الكلمات نفسها ولكن بمرافقة صور إيجابية - كالأطفال المبتسمين أو الطبيعة الهادئة - كخطوة نحو إعادة برمجة جزء من هذا المخزون الذهني. جاءت هذه الخطوة استنادًا إلى أبحاث سابقة أثبتت أهمية النوم في ترسيخ الذكريات الجديدة أو تعديل القديمة، في إشارة إلى الدور المحوري لعملية إعادة تفعيل الذكريات خلال مراحل النوم العميق تحديداً.

هنا يتضح تداخل مذهل بين العمليات الدماغية أثناء النوم وقدرة الإنسان على تعديل استجابته العاطفية للمواقف المؤلمة. فخلال الليلة الثانية، وبينما كان المشاركون يغطون في النوم، قام الفريق العلمي بتشغيل تسجيلات صوتية للكلمات التي سبق ربطها بالصور، مستهدفين مرحلة محددة في النوم تُعرف باسم “نوم حركة العين غير السريعة”، والتي تلعب دوراً رئيسياً في تخزين الذكريات. المراقبة الدقيقة لنشاط الدماغ أظهرت ارتفاعاً في موجات تُدعى “النطاق الثيتا” عند حضور الكلمات الإيجابية، وهذه الموجات ترتبط بمعالجة المشاعر وتخزين الذكريات العاطفية.


نتائج الدراسة: الذكريات السلبية تتراجع

ومن الطبيعي أن يتساءل القارئ عن مدى نجاح هذه التقنية الجديدة. الإجابة جاءت واضحة في استطلاعات الرأي والمتابعة النفسية للمشاركين بعد التجربة، حيث لوحظ انخفاض ملحوظ في قدرة المتطوعين على استدعاء الصور السلبية وربطها بالكلمات التي خضعت لإعادة البرمجة. ليس هذا فحسب، بل ظهرت عليهم ميلٌ عفوي لتذكر الصور الإيجابية المرتبطة بنفس الكلمات، حتى بدا أن الذكريات الجديدة طغت عاطفياً على الذكريات القديمة المشحونة بالتوتر.

وهذا يوضح أن عملية “إعادة البرمجة” لم تؤثر فقط على تذكّر الحدث المؤلم ذاته، بل غيّرت أيضاً الانطباع العاطفي نحو الكلمات والصور المتعلقة به. الأمر يشكل بارقة أمل لابتكار علاجات غير دوائية للذكريات الصادمة، في وقت يعاني فيه الكثير من اضطرابات متصلة بالماضي المؤلم. لكنه يثير في الوقت نفسه تساؤلات حول حدود هذه التقنية، وقدرتها على التعامل مع تجارب قاسية من واقع الحياة بدل الذكريات الإصطناعية داخل المختبر.


التطبيقات المستقبلية والتحديات العلمية

من الجدير بالذكر أن نتائج هذه التجربة وُضعت تحت رقابة صارمة في بيئة مخبرية يتحكم فيها العلماء بدقة في نوعية الصور المستعملة وطبيعة الكلمات المحفزة، مما يجعل تعميم النتائج على الذكريات الواقعية أكثر صعوبة وتعقيداً. فعلى سبيل المثال، يرد العلماء أن رؤية صور مزعجة في معمل لا تضاهي أبداً التأثير العميق الذي تتركه صدمة حقيقية في الحياة على الدماغ، وقد يستغرق الأمر وقتاً وتعديلات منهجية قبل إعلان جهاز حقيقي لمحو الذكريات المؤلمة عبر النوم فقط.

ذو صلة

ومع ذلك، فإن استغلال نافذة النوم لمعالجة الذكريات ليس بجديد على الأبحاث الحديثة؛ فقد أظهرت دراسات عديدة كيف أن الدماغ أثناء النوم يعيد تشغيل وتخزين الذكريات، وأنه بالإمكان التحكم في هذه العملية لتعزيز الذكريات الطيبة أو تخفيف آثار الذكريات المؤذية، اعتماداً على حجم الارتباطات العصبية وتقنيات التحفيز الصوتي المستخدم.

في ختام هذه الجولة البحثية، يبدو أن إمكانية “إضعاف” الذكريات السلبية ليست بعيدة المنال تماماً، خصوصاً مع هذا النهج المعتمد على تعزيز الذكريات الإيجابية في أوقات استراتيجية من النوم. وربما يكون من الأجدى في مقالات مماثلة التركيز أكثر على شرح مصطلح “نطاق الثيتا” بطريقة تبسّط فهم القارئ لأهمية موجات الدماغ في التعلم والمشاعر، أو استبدال تعبير “إعادة برمجة الذكريات” بمصطلح “إعادة تشكيل الذاكرة” ليعكس دقة أعمق. ومع تطور الأبحاث، سيبقى الأمل معلقاً على قدرة العلماء على نقل هذه النتائج من حيز المختبر إلى واقع الحياة اليومية، بما يمنح المصابين بذكريات مؤلمة أداة فعالة لاستعادة التوازن والسلام النفسي من جديد.

ذو صلة