ذكاء اصطناعي

باحثون ينجحون في رصد نشاط بصري في دماغ الأشخاص الذين يفتقدون التخيل البصري تمامًا!

محمد كمال
محمد كمال

4 د

توصلت دراسة إلى نشاط دماغي رغم غياب التخيل البصري عند المصابين بالأفانتازيا.

الأبحاث كشفت تفاعلات عصبية مختلفة عند محاولة المصابين تخيل صور بصرية.

يعتمد المصابون بالأفانتازيا على التفكير اللغوي والمفاهيمي بدلاً من التخيل البصري.

تسعى الدراسات المستقبلية لفهم أعمق للعلاقة بين النشاط العصبي والوعي البصري.

هل سبق لك أن سمعت عن حالة تُسمى "الأفانتازيا"؟ ربما لا، فهي تعدّ من الحالات النادرة التي بدأت الأبحاث تكتشفها مؤخرًا. باختصار، الأشخاص المصابون بهذه الحالة يؤكدون أنهم غير قادرين إطلاقًا على تشكيل صور ذهنية بصرية في خيالهم، بمعنى أنهم لا يستطيعون تخيل شكل التفاحة مثلًا أو مبنى شهير. لكن، ما الذي يحدث بالفعل داخل أدمغة هؤلاء الأشخاص؟ هذا ما حاول العلماء معرفته في دراسة جديدة نُشرت حديثًا في مجلة "Current Biology".

ما كشف عنه الباحثون كان مذهلًا حقًا، فعلى الرغم من أن المصابين بالأفانتازيا أفادوا بعدم قدرتهم على تشكيل صور داخلية لأي شيء، أظهرت فحوصات الدماغ بالرنين المغناطيسي الوظيفي (fMRI) أن مناطق الرؤية في المخ لديهم – وخصوصًا القشرة البصرية الأولية – أظهرت استجابة عند طلبهم محاولة تخيل صور بسيطة. بمعنىً آخر، أدمغتهم كانت تقوم بنوع من النشاط الدماغي رغم عدم شعورهم بأي تخيلات بصرية حقيقية.


تجارب دقيقة تكشف أسرارًا مثيرة عن هذه الحالة!

أراد الباحثون استكشاف الظاهرة بدقة أكبر، فقاموا بمقارنة 14 شخصًا يعانون من الأفانتازيا مع 18 شخصًا لديهم قدرة طبيعية على التخيل البصري. وكانت المهمة بسيطة: حاول أن تتخيل بعض الأشكال أو الأنماط الملونة، ثم قيّم مدى وضوح التخيل داخلك. وطبعًا كانت إجابات المصابين بالأفانتازيا شبه منعدمة، لكن المفاجأة كانت في النتائج التي قدمها تصوير الدماغ.

قامت الدراسة بقياس نشاط الدماغ أثناء محاولة الأشخاص تخيل أنماط بسيطة ملونة، ثم استخدام تقنيات "فك التشفير" لتحليل بيانات التصوير. وهنا كانت المفاجأة الكبرى: رغم عدم إحساسهم بأي صورة متخيلة، نجح الباحثون في تحديد المحتوى الذي كان المشاركون يحاولون تخيله فقط من خلال نشاط الدماغ. يعني ذلك أن دماغهم كان يسجل معلومات عن محتوى معين، لكنه لم يُحوّل إلى تجربة بصرية واعية أو صورة ذهنية واضحة.

هذا الاكتشاف يسلط الضوء على اختلاف كبير بين الفئتين. فبينما ظهرت مناطق الدماغ لدى الأشخاص الطبيعيين نشاطًا متناسقًا بشكل يعكس مباشرة موقع وصورة الشيء المُتخيَّل كما يحدث تمامًا في الرؤية العادية، كان نشاط دماغ المصابين بالأفانتازيا مختلفًا كليًا – فقد كانت الإشارات العصبية موزعة بشكل معاكس في مناطق المخ، ولم تتطابق مع إشارات الرؤية الحقيقية.

وهذا الاختلاف في نشاط الدماغ ربما يكون التفسير لغياب القدرة على التخيل الواعي لدى المصابين بالأفانتازيا. فيبدو أن أدمغتهم تتعامل مع المعلومات بطريقة أقل حسية وأكثر تجريدًا، مما يحرم أصحابها من رؤية الصور داخل أذهانهم.

كما لاحظ العلماء أن الأشخاص المصابين بالأفانتازيا يعتمدون بشكل أكبر على مناطق الدماغ المختصة باللغة والصوتيات. بمعنى آخر، ربما يستخدم هؤلاء التفكير اللفظي أو المفاهيمي عوضًا عن التفكير البصري عند محاولة التخيل.


السؤال الحائر: لماذا تختلف الإشارات العصبية؟

في متابعة أخرى، قرر فريق البحث التأكد مما إذا كانت هذه النتائج مجرد انعكاس لضعف في التركيز أو قلة المجهود في أداء المهمة. وللتأكد من ذلك قاموا بتجربة على مجموعة أخرى من الأشخاص الذين لديهم خيال بصري طبيعي، وطلبوا منهم تخيل الصور بوضوح وأحيانًا بشكل ضبابي ومتقطع. لكن النتائج أكدت أن هناك فعلًا اختلافًا جوهريًا في الطريقة التي يمثل بها المصابون بالأفانتازيا المعلومات في أدمغتهم، وليست مجرد مسألة اهتمام أو مجهود.

ومع ذلك، للدراسة أيضًا حدود – مثل العدد الصغير للعينات المشارِكة، وفترة إجراء التجارب، كما أن معظم المشاركين كانوا من النساء. وبالإضافة إلى ذلك، استخدمت الدراسة فقط صورًا بسيطة، لذا قد تكون النتائج مختلفة في حال استخدام صور معقدة كوجوه البشر أو مشاهد واقعية كاملة.

النتائج تكشف لنا بوضوح أن التمثيلات الدماغية ليست جميعها متساوية – بعضها قد يولّد تجربة واعية، وبعضها الآخر لا. هذا يطرح تساؤلات مثيرة عن العلاقة بين النشاط العصبي والرؤية الذهنية الواعية.

ذو صلة

في المستقبل، نأمل أن تدرس الأبحاث التالية كيف يتعامل الدماغ مع أشكال معقدة من الصور، مثل الوجوه والمشاهد الواقعية المعروفة، وكيف تؤثر التفاعلات بين مختلف مناطق الدماغ على هذه التجربة الذهنية.

وفي النهاية، يمكن القول إنه رغم افتقار المصابين بالأفانتازيا لقدرة التخيل البصري الواضح، فإن أدمغتهم لا تزال تحمل أسرارًا يمكن كشفها ودراستها، مما يفتح المجال لفهم أعمق للوعي البصري وآلية عمل الدماغ البشري. ولتحسين قراءة المقال وجعلها أسلس، من المفيد ربط الأفكار واستخدام مفردات مُعبّرة، مما يتيح للقارئ الاستمتاع بالتدفق الطبيعي والسلس للمعلومات.

ذو صلة