بعد قرون من الأساطير… الكراكن يخرج من الظل ويكشف عن وجهه الحقيقي!

3 د
لطالما أثار وحش البحر الكراكن فضول العالم باعتباره خيالاً.
الأبحاث الحديثة تشير إلى أن خلف الحكايات يوجد كائن حقيقي: الحبار العملاق.
ينمو الحبار العملاق بشكل كبير بسبب الظروف القاسية في أعماق البحار.
تشير الأدلة إلى معارك بين الحبار العملاق والحوت العنبر في أعماق المحيط.
ما زالت حياة الحبار العملاق لغزًا، مع اكتشافات جديدة مستمرة عن كائنات الأعماق.
لطالما أثارت حكايات البحارة عن وحش البحر العملاق – الكراكن – فضول العالم ورعبه في آن واحد. واليوم، وبعد قرون من الغموض، يعلن العلماء أن الأسطورة استندت في جزء منها إلى واقع علمي حقيقي.
على مدى قرون، خُيّل للملاحين أن الوحش ذي المجسات الهائلة الذي يبتلع السفن ما هو إلا نتاج خيال خصب، لكن الأبحاث الحديثة تثبت أن خلف تلك القصص يقبع كائن حقيقي يُعرف باسم **الحبار العملاق** أو *Architeuthis dux*. هذا الكائن الغامض يعيش على أعماق شاهقة في المحيطات، ولم يتمكن العلماء من توثيقه حيًّا إلا خلال العقدين الماضيين، بعد أن التقطت كاميرات اليابانيين أولى صوره قرب جزر أوجاساوارا.
وهذا الاكتشاف دفع العلماء إلى إعادة النظر في العلاقة بين الأسطورة والعلم، خصوصًا أن وصف البحارة القدامى للكائن يتطابق إلى حد بعيد مع الحبار العملاق الذي قد يصل طوله إلى أكثر من 13 مترًا.
عملاق الأعماق: كيف ينمو بهذا الحجم؟
يشير الباحثون إلى أن أعماق البحار تعمل كـ"جزيرة تطورية"، إذ تفرض بيئتها القاسية من ظلام وضغط عالٍ ونُدرة للغذاء قوانين خاصة على الكائنات التي تعيش فيها. فالتكيّف مع هذه الظروف يؤدي أحيانًا إلى **الضخامة الحيوية**، وهي ظاهرة تجعل بعض الكائنات تنمو إلى أحجام غير معتادة للحفاظ على الطاقة ومواجهة الجوع والبرد.
وهذا ما أكده البروفيسور كريغ ماكلين في دراسته المنشورة عام 2006، موضحًا أن انخفاض الحرارة وبطء الأيض في أعماق المحيط يجعلان زيادة الحجم استراتيجية مثالية للبقاء. وهنا يتقاطع علم الأحياء التطوري مع الخيال القديم الذي صور الكراكن كوحش لا يُقهر.
ثم جاء بحث آخر عام 2016 في مجلة *PLOS One* ليضيف أن ضخامة الحجم تمنح الكائنات استقرارًا حراريًا وعمرًا أطول ومقاومة أفضل للظروف الصعبة. ببساطة، كلما كبر الكائن قلت حاجته إلى الطاقة، وهو ما يفسر ضخامة الحبار العملاق وحيوانات الأعماق المشابهة.
وهذا يقودنا إلى واحدة من أكثر المعارك الأسطورية إثارة بين مفترسات المحيط العميق.
معركة العمالقة: الحبار العملاق في مواجهة الحوت العنبر
تؤكد الأدلة الحديثة وجود صراع دائم بين الحبار العملاق والحوت العنبر، إذ تُظهر جلود الحيتان آثار مصّ عميقة مصدرها مجسات الحبار، بينما وُجدت مناقيره في أحشاء الحيتان. وقد خلّد الأدب هذه المعارك، لكن العلم أثبتها بالدلائل المادية، ما يجعل منها مواجهة حقيقية في أعماق لا تزال غير مستكشفة بالكامل.
ورغم ذلك، تبقى حياة الحبار العملاق لغزًا حقيقيًا. فلا أحد يعرف بدقة كيف يتكاثر أو كم يعيش أو أين يهاجر. ووفقًا للإدارة الوطنية الأميركية للمحيطات والغلاف الجوي (NOAA)، فإن أكثر من 80% من قاع المحيطات لا يزال مجهولًا، ما يعني أن أسرار ذلك الكائن العملاق لم تُكشف بعد.
ومن المدهش أن كل بعثة بحثية جديدة إلى الأعماق تكشف عن مخلوقات لم نعرفها من قبل: كائنات شفافة، وأخرى مضيئة، وأحيانًا مخلوقات تتحدى تصوراتنا عن الحياة نفسها. لكن لا شيء يضاهي في سحره وغموضه **الحبار العملاق**، الذي يجسد بصورته الحية أسطورة الكراكن القديمة.
ختامًا، يبدو أن الخط الفاصل بين الأسطورة والعلم ليس صارمًا كما كنا نظن. ففي كثير من الأحيان، كما يقول البروفيسور ماكلين، "الأساطير ليست سوى بيانات جُمعت قبل أن يدركها العلم". وهكذا تكتمل دائرة الفهم بين الماضي والمستقبل، من خرافة الكراكن إلى حقيقة الحبار العملاق – عملاق الأعماق الحقيقي.









