ذكاء اصطناعي

بعد 26 عامًا من الصمت… مخلوق المنشار ينهض من الأعماق كالكابوس!

مصطفى يسري
مصطفى يسري

3 د

ظهور نادر لسمكة المنشار ينعش آمال الحفاظ على الحياة البحرية بجنوب أفريقيا.

جثة سمكة المنشار جرفتها الأمواج أثارت نقاشاً عن عودة النوع المهدد.

سمكة المنشار تمتاز بمنقار حسّاس كهربياً للصيد في المياه العكرة.

تدهور الموائل البحرية يهدد أسماك المنشار بسبب الصيد الجائر والتلوث.

الباحثون يحثون على حماية المصبات لإعادة التوازن البيئي واستدامة الحياة البحرية.

بعد أكثر من ستةٍ وعشرين عاماً من الغياب، أعيد اكتشاف سمكة المنشار النادرة على شواطئ جنوب أفريقيا، في واقعة أثارت موجة من التفاؤل بين العلماء والناشطين في مجال الحفاظ على البيئة البحرية.

بدأت القصة عندما لاحظ رجل يُدعى مايك فينسنت جسماً غريباً جرفته الأمواج جنوب مصب نهر بِرا، فاقترب ليتفحصه معتقداً أنه قطعة من الخشب الطافي. لكن المظهر المنحوت والمسنن كشف شيئاً آخر تماماً؛ كانت جثة سمكة منشار. هذا المشهد الذي صُوِّر ووُثِّق لاحقاً، فتح الباب أمام نقاش علمي حول إمكانية عودة هذا النوع المهدد بالانقراض إلى مياه جنوب القارة.

وهذا يقودنا إلى سؤال جوهري: هل يمكن أن تكون هذه الإشارة دليلاً على بقاء المجموعة السكانية للمنشارية في المنطقة مهما كانت صغيرة؟


سمكة منشار… ليست سمكة عادية

سمكة المنشار من أكثر الكائنات اللافتة في المحيطات. فشكلها المستوي وأنفها الطويل المزوّد بأسنان حادة يشبه منشاراً ضخماً، يمنحها مظهراً ينتمي لعصور ما قبل التاريخ. ورغم شبهها الكبير بأسماك القرش، إلا أنها في الواقع تنتمي لعائلة اللخميات (الأسماك الرايات). أما ذلك المنقار المسنن فليس مجرد أداة دفاع، بل حساس كهربائي يلتقط الإشارات الضعيفة التي تطلقها فرائسها أثناء السباحة، مما يمنحها قدرة استثنائية على الصيد داخل المياه العكرة والشواطئ الموحلة.

ومن هنا يظهر الترابط بين التنوع البيولوجي البحري وخصائص هذه الكائنات الفريدة التي تمثل مؤشراً على صحة النظم البيئية الساحلية.


خطر يقترب: تدهور الموائل البحرية

خلال العقود الأخيرة، تراجعت أعداد أسماك المنشار بشكل كارثي بسبب الصيد الجائر، والتلوث، وتدمير مواطنها الطبيعية خاصة مصبات الأنهار. في جنوب أفريقيا عُرفت نوعان أساسيان؛ المنشار الأخضر (Pristis zijsron) والمنشار عريض السن (Pristis pristis)، وكلاهما اختفى تقريباً منذ أواخر التسعينيات. آخر رصد رسمي يعود إلى عام 1999 عندما أُطلق أحدها حياً بعد أن علق في شباك القرش قبالة سواحل كوازولو ناتال. ومنذ ذلك الحين خشي العلماء أن يكون النوع قد انقرض محلياً.

غير أن المشهد الأخير على شاطئ بِرا منح الباحثين شعاع أمل جديد، وذكّرهم بأن البيئات الساحلية ما زالت قادرة على المفاجأة إذا ما حظيت بالعناية الكافية.


مصبات الأنهار… حضانات الحياة البحرية

تشكل المصبات، وهي مناطق التقاء الأنهار بالبحر، محاضن طبيعية أساسية لأنواع كثيرة من الأسماك، ومنها المنشارية الصغيرة. لكن هذه البيئات الهشة تواجه تهديدات متزايدة جراء التوسع العمراني، وتغير تدفقات الأنهار، والأنشطة الصناعية. الخبراء يؤكدون أن حماية هذه المصبات واستعادتها هو السبيل الوحيد لإعادة التوازن للنظام البيئي البحري، وليس لإنقاذ سمكة واحدة فحسب.

وهذا يربط بين الجهود الحكومية والمجتمعية في برامج الاستدامة البيئية والحفاظ على السواحل، خاصة في ظل تنامي الوعي العام نحو الاقتصاد الأزرق وإدارة الموارد البحرية.


المواطنون والعلماء… شراكة من أجل الأمل

اللافت في قصة المنشارية أن من أعادها إلى دائرة الضوء لم يكن باحثاً محترفاً، بل مواطن عادي لاحظ أمراً غير مألوف. هذه المشاركة الشعبية تُعد ركناً أساسياً في علم المواطن (Citizen Science)، إذ تساعد البلاغات الميدانية على ملء الثغرات في البيانات ومتابعة الأنواع النادرة. السلطات العلمية في جنوب أفريقيا دعت كل من يرصد أو يصطاد سمكة منشار إلى توثيق الحالة والتواصل مع مراكز الأبحاث البحرية لدعم برامج الحصر الجيني ومراقبة توزيع الأنواع.

ذو صلة

إن إشراك المجتمع المحلي في مشروعات الحماية لا يقتصر على المراقبة، بل يمتد إلى اتخاذ إجراءات واقعية تضمن استدامة الحياة في المحيطات.

في النهاية، يمثل اكتشاف سمكة المنشار بعد كل هذه السنوات رسالة تفاؤل للعلماء والمدافعين عن البيئة. فالمحيط ما زال يخفي أسراراً كبيرة، وربما تحمل الأمواج القادمة مزيداً من البشائر عن عودة كائنات ظنّ العالم أنها اختفت إلى الأبد. الحفاظ على تلك الحياة البحرية ليس خياراً ترفيهياً، بل ضرورة لحماية إرثنا الطبيعي وضمان توازن الكوكب.

ذو صلة