تتبُّع الغرباء بدأ: العلماء يطوّرون تقنية مبتكرة لتعقب الكائنات الفضائية… الأرض قد لا تكون وحدها مأهولة!

3 د
ابتكر العلماء نهجًا جديدًا للبحث عن الحياة باستخدام "الإطار الكمّي لملاءمة البيئات".
استخدم الفريق النموذج على الكوكب "ترابيست-1e"، ووجدوا إمكانية للحياة بمعدل 69%.
أظهرت دراسة سطح المريخ ملاءمة بيئية بنسبة 55% للكائنات الدقيقة.
تشير النتائج إلى إمكانات حياة على أجرام قريبة مثل المريخ والقمر يوروبا.
يدعو النموذج العلماء لتوسيع البحث عن أشكال حياة جديدة خارج الأرض.
تخيّل للحظة أن البحث عن الكائنات الفضائية بدأ من حيوان بسيط كالجمَل! في خطوة مُثيرة وجديدة لم يسبقها مثيل، كشف فريق من العلماء بقيادة الفيزيائي الفلكي دانيال أبّاي، من جامعة أريزونا، عن نموذج مبتكر يغيّر المفهوم التقليدي للبحث عن الحياة خارج كوكبنا الأزرق، لينتقل بنا من شروط عامة إلى شروط بقاء أكثر تحديداً ودقة.
لطالما ركز العلماء حتى وقت قريب على فكرة واحدة رئيسية في تحديد إمكانية الحياة خارج الأرض، وهي توفر الماء السائل. لكن هذا النهج الجديد، الذي ابتكره أبّاي وفريقه، يسير تجاه مسار مختلف. أطلقوا عليه اسم "الإطار الكمّي لملاءمة البيئات"، ويعتمد في الأساس على معرفة مدى ملاءمة مكان معيّن لكائنات حيّة محددةٍ نعرفها من الأرض، بدلاً من الالتزام بشروط الحياة العامة مثل وجود الماء فقط. وقد يحوي هذا المكان مزيجاً غير مألوف من الظروف البيئية، كدرجة حرارة فريدة أو تركيب الغلاف الجوي المختلف نوعياً عن أرضنا.
ولاختبار فعاليتهم العلمية هذه، استخدم الباحثون هذا النموذج الجديد أولاً على الكوكب البعيد الشهير "ترابيست-1e"، وهو كوكب صخري يشبه إلى حد كبير كوكب الأرض، والنتائج كانت مُلفتة للنظر. وجد العلماء أن بعض الكائنات الدقيقة المعروفة بالمولدات الميثانية، وهي أحياء دقيقة قادرة على العيش في بيئات شديدة القسوة وخالية من الأكسجين، يمكنها البقاء والتكاثر على ذلك الكوكب بنتيجة وصلت إلى 69% من نسبة الملاءمة البيئية.
ولم يقتصر الفريق على استكشاف الكواكب البعيدة، بل درسوا احتمالات الحياة على أجرام سماوية أقرب إلينا. فمثلاً، تبيّن أن سطح المريخ الآن قد يكون ملائمًا بنسبة تصل إلى 55% لتلك الكائنات الدقيقة ذاتها، وحتى المحيطات العميقة للقمر الأوروبي يوروبا، التابع لكوكب المشتري، تحمل فرص نجاة تقارب نصف المئة من النسبة الممكنة. هذه النتائج تشير إلى أن هذه الأجرام السماوية القريبة تستحق مزيدًا من الاهتمام العلمي والبحث المتعمّق، رغم أن مؤشرات الصلاحية ليست بالمثالية كما كان متوقعاً في السابق.
على مستوى آخر، قام العلماء أيضًا بدراسة قدرة كائنات مثل الطحالب الزرقاء، أو ما يعرف بـ"السيانوبكتيريا"، على الحياة في ظروف مماثلة لتلك الموجودة على "ترابيست-1e". وكشفت التجربة عن معدلات صلاحية تراوحت بشكل واسع بين 13% وحتى 80%، مما يعكس أهمية الظروف الخاصة لكل بيئة فلكية بشكل منفرد.
ومن هنا بدأ العلماء بالتحضير لخطوة قادمة مهمة جداً، وهي إنشاء قاعدة بيانات واسعة تحوي كل الكائنات الحية التي يمكنها التكيّف مع الظروف القاسية على الأرض، من بكتيريا وفطريات وحتى الحشرات التي قد تعيش في بيئات قاسية مثل جبال الهملايا، أو الكائنات الدقيقة القادرة على الحياة في فتحات المياه الساخنة (المعايش الحرارية المائية) في أعماق المحيطات، بهدف ربطها بما قد نكتشفه يوماً في فضاءات كونية مشابهة لظروفها.
ولا يُعد هذا النموذج مجرد ممارسة تنظيرية بسيطة، بل قد يكون أداة عملية مفيدة جداً. يقول الفريق إن هذه التقنية الابتكارية يمكن استخدامها لتقييم إمكانية الكواكب البعيدة التي تظهر بها إشارات بيولوجية محتملة، وذلك للتحقق مما إذا كانت الظروف البيئية التي تُمكّن من وجود هذه الإشارات متوافقة حقاً مع متطلبات الحياة للكائنات التي تسببت بتلك الإشارات.
ويظل الهدف الأساسي من هذه الطريقة الجديدة هو تشجيع العلماء على توسيع دائرة البحث والتفكير بطريقة أكثر انفتاحاً. إن البحث عن كواكب مماثلة تماماً للأرض لم يعد كافياً؛ فالتنوع الهائل للحياة على كوكبنا نفسه يدعونا لفكرة أن الحياة في الكون ربما تمتلك صوراً أخرى مختلفة وجديدة تماماً، لم نكن نتخيّلها من قبل.
يحمل هذا النهج العلمي الجديد إمكانات واعدة ويُعزز التفاؤل بحتمية اكتشاف الحياة خارج حدود أرضنا يوماً ما، لكنه يتطلب أيضاً استمرار تطوير التعابير المستخدمة لتكون أكثر وضوحًا للقارئ، مع الحرص على تقديم المصطلحات العلمية بطريقة أسهل وأكثر قرباً من عموم الجمهور. وبذلك يستمر جذب الاهتمام نحو هذه الابحاث الكونية الهامة التي تحرك فضولنا الإنساني في اكتشاف أسرار الكون.