ذكاء اصطناعي

تشين شي هوانغ لم يمت بعد… اكتشاف جديد يبعث هوسه بالخلود من تحت التراب!

محمد كمال
محمد كمال

3 د

اكتشاف نقش حجري يُعيد فتح ملف سعي الإمبراطور الصيني الأول تشين شيه هوانغ للخلود.

النقش وُجد قرب بحيرة جالينغ في تشينغهاي، منقوش عليه عام 221 قبل الميلاد.

بُعض الأكاديميين يشككون في مصداقية اللوح، ويصفونه بـ "تزوير متقن الصنع".

رغم الشكوك، يربط الاكتشاف بين الرمزية الدينية والرغبة السياسية في الخلود.

الاكتشاف يعكس اتجاهًا ثقافيًا صينيًا نحو إعادة قراءة الأساطير وإبراز الهوية الوطنية.

في أعالي جبال الصين النائية، اكتشاف أثري جديد يعيد فتح ملف قديم طالما شغل المؤرخين: رحلة الإمبراطور الصيني الأول **تشين شيه هوانغ** في سعيه نحو الخلود. تحت جليد الهضبة التبتية، وجد علماء الآثار نقشتاً حجرية من عصر أسرة تشين يعتقد أنها توثق مهمة إمبراطورية مجهولة باتجاه الغرب بحثاً عن «إكسير الحياة».

يُعتقد أن اللوح الحجري اكتُشف قرب بحيرة **جالينغ** في مقاطعة **تشينغهاي**، على ارتفاع يتجاوز 4300 متر. ووفقاً لوكالة **شينخوا** الصينية، فإن النقش يتكوّن من 37 رمزاً من الكتابة القديمة، ويُعتبر الأثر الوحيد المعروف من عهد أسرة تشين الذي ما يزال في موقعه الأصلي. اللافت أن التاريخ المنقوش عليه يعود إلى سنة 221 قبل الميلاد، وهي السنة نفسها التي وحّد فيها الإمبراطور الصين تحت راية واحدة.

وهذا يربط الاكتشاف الجديد بالأساطير التي تناولت رحلات الإمبراطور شرقاً عبر مبعوثه **شو فو**، الذي تقول الروايات إنه أبحر نحو اليابان بحثاً عن العقار السرّي للخلود. إلا أن هذا النقش يفتح باباً آخر نحو الغرب، حيث تشير الرموز إلى **جبل كونلون** الذي اعتبرته الميثولوجيا الطاوية موطناً للخلود والآلهة.


شكوك حول المصداقية

لكن الحماس لم يدم طويلاً، فعدد من الأكاديميين البارزين في **جامعة بكين** و**جامعة اللغة والثقافة في بكين** شككوا علناً في صحة النقش. الأستاذ **شين دَي يونغ** وصف اللوح بأنه «تزوير متقن الصنع» مبيناً أن بعض رموزه لا تتطابق مع أسلوب الكتابة المستخدم رسمياً في عصر تشين. كما لفت العالم **ليو زونغدي** إلى مصطلح «جمع الأعشاب الطبية» الوارد في النقش، وهو تعبير لم يظهر في نصوص معروفة من ذلك العصر أو حتى من أوائل حكم أسرة هان.

يمتد الجدل أيضاً إلى التوقيت ذاته، إذ يشير النص إلى «السنة السادسة والعشرين من حكم تشين شيه هوانغ»، أي خلال أحداث توحيد البلاد العسكرية، مما يجعل إرسال بعثة إلى تخوم الغرب في ذلك الوقت أمراً مشكوكاً في إمكانيته اللوجستية. حتى الآن لم تُنشر أي دراسة ميدانية مُحكّمة حول القطعة، ولم يظهر ذكرها بعد في الدوريات المتخصصة مثل مجلة «كاوغو» التابعة لأكاديمية العلوم الاجتماعية الصينية.

لتوضيح الصورة أكثر، يتضح أن هذا الجدل يرتبط أيضاً بدور **جبل كونلون** في المخيال الصيني.


كونلون بين الأسطورة والتاريخ

ففي النصوص الكلاسيكية مثل «كتاب الجبال والبحار»، يوصف كونلون بأنه موطن **ملكة الغرب** وممر إلى العالم الإلهي. غير أن موقعه الجغرافي ظل لغزاً لقرون؛ إذ توزعت افتراضات الباحثين بين مناطق **شينغيانغ** و**تشينغهاي** وأجزاء من **الهملايا**. النقش الحالي يلمّح إلى أن خمسة من مسؤولي تشين قطعوا أكثر من 75 كيلومتراً من بحيرة جالينغ باتجاه كونلون، ما يعزز فكرة أن الإمبراطورية ربما أطلقت فعلاً بعثات استكشافية إلى تلك الجهات النائية.

وهذا يربط بين الرمزية الدينية في النقش والرغبة السياسية لدى الإمبراطور بتوسيع سلطته ليس على الأرض فقط، بل على مفهوم الخلود ذاته.

المؤرخون الصينيون منذ **سيما تشيان** وثّقوا انشغال الإمبراطور بالخلود، ورصدوا محاولاته استخدام الكيمياء القديمة والطقوس الغامضة لتحقيقه. إلا أن بعض الباحثين المعاصرين يرون أن النقش، حتى لو كان أحدث عهداً وربما من فترة **أسرة يوان** اللاحقة، فإنه يعبر عن استمرار الفكرة الإمبراطورية في ربط الخلود الروحي بالقوة السياسية.


بين البحث عن الخلود وإحياء التراث

ذو صلة

في السياق الأوسع، ينسجم هذا الاكتشاف مع الاتجاه الثقافي الصيني الحديث نحو إعادة قراءة الأساطير القديمة وتوظيفها في إبراز الهوية الوطنية. فقد أصبحت قصص الإمبراطور الأول جزءاً من خطاب **الإرث الحضاري** و«القوة الناعمة» لصورة الصين المعاصرة، سواء عبر المتاحف أو وسائل الإعلام الرسمية.

في نهاية المطاف، يبقى هذا النقش الغامض لغزاً مفتوحاً بين الحقيقة والأسطورة. فسواء كان أثراً أصيلاً من عهد توحيد الصين أو عملاً لاحقاً يحمل صدى الماضي، فإنه بلا شك أعاد إلى الواجهة قصة الإنسان الذي سعى لأن يحكم الأبدية، ليخلّد في النهاية اسمه لا جسده.

ذو صلة